دعاية للبلد

كان بعض ولاة الكوفة يذم الحيرة في أيام بني أمية، فقال له رجل من أهلها - وكان عاقلا ظريفا: أتعيب بلدة بها يضرب المثل في الجاهلية والإسلام!

قال: وبماذا تمدح؟ قال: بصحة هوائها، وطيب مائها، ونزهة ظاهرها، وتصلح للخف والظلف، سهل وجبل، وبادية وبستان، وبر وبحر، محل الملوك ومزارهم ومسكنهم ومثواهم، وقد قدمتها - أصلحك الله - مخفا فرجعت مثقلا ووردتها مقلا فأصارتك مكثرا، قال: فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل؟ قال: بأن تصير إلي ثم أدع ما شئت من لذات العيش فوالله لا أجوز بك الحيرة فيه!

قال: فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك قال: افعل، فصنع لهم طعاما، وأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها: من ظباء ونعام وأرانب وحبارى، وسقاهم ماءها في قلالها، وأجلسهم على رقمها ولم يستخدم لهم حرا ولا عبدا إلا من مولديها ومولداتها، من خدم ووصائف ووصفاء كأنهم اللؤلؤ، لغتهم لغة أهلها ثم غناهم حنين وأصحابه في شعر عدي بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما، وحياهم برياحينها ونقلهم على شرابها - وقد شربوا - بفواكهها، ثم قال له: هل رأيتنى استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة؟ قال: لا والله، ولقد أحسنت صفة بلدك، ونصرته فأحسنت نصرته والخروج مما تضمنته فبارك الله لكم في بلدكم.