كشفت هيئة حقوق الإنسان أنها تتتبع حاليا قضية حرمان بعض النساء من إرثهن، كإحدى القضايا المتصلة بالعنف ضد المرأة، والتي تكرس التعامل معها على نحو ينتهك حقوقها وكرامتها.

وأوضحت الهيئة أنها وقفت خلال الفترة الماضية على حالات امتنعت فيها سيدات عن المطالبة بحقوقهن في الإرث، إما بسبب خشيتهن من تأثر علاقاتهن الاجتماعية بأسرهن، أو بسبب ضعف وعيهن بحقوقهن التي كفلتها لهن الشريعة الإسلامية وأنظمة المملكة.

الحرمان جريمة

توضح عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة آمال الهبدان أن «حرمان المرأة من حقها في الإرث جريمة تتصدى لها الأنظمة والجهات المعنية في المملكة، وعلى رأسها القضاء»، مؤكدة أن الهيئة تنسق حاليا مع الجهات المختصة لتتبع هذه القضية بشكل أعمق، وإحاطتها من كافة جوانبها، والتأكد من إتاحة وسائل الانتصاف أمام المتضررات وفعاليتها، بما يضمن توفير المساندة اللازمة لهن في الحصول على حقوقهن، ومتابعة أوضاعهن، إضافة إلى ضمان توفير بيانات خاصة في هذه القضايا تدعم دراستها وتتبعها ومعالجة جذورها من خلال الهيئة، علاوة على تكثيف جهود التوعية لدى المجتمع بخطورة مثل هذه الممارسات وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على المرأة وأسرتها والمجتمع المحيط بها.

وبينت الهبدان أن «الهيئة تشجع كل من يقع عليها ضرر على التقدم إلى الجهات ذات العلاقة لتقديم شكوى»، وأكدت أن «هيئة حقوق الإنسان تستقبل عبر قنوات التواصل الإلكترونية أو الهاتفية أو عبر الحضور لأحد مقراتها أي متضررة، أو أي من وقف على قضايا من هذا النوع لتقديم الدعم والمساندة اللازمة».

تساهل في حقوق شرعية

يذكر محمد آل حموض أن «عرف بعض القبائل درج على تجاوز وتساهل عدد من عائلاتها في حق المرأة شرعاً من الميراث، وخاصة في جانب الأراضي والمزارع، وذلك يتم أحيانا كثيرة بتأييد من طرف زوج المرأة إذا كان من نفس القبيلة، لأن العرف القبلي يرفض خروج ملكية الأرض من العائلة الواحدة، وفي أحسن الأحوال تُعطى المرأة تعويضا ماليا للتنازل عن الأرض أو بدلا عنها، وغالبا ما يطغى على هذا الجانب العناد أو القضايا الكيدية، ويعتمد تعويضها ماليا على قدر العلاقة والمحبة والاحترام، فإذا انتفى الود فغالبا لا تحصل على حقها الشرعي».

أعراف بائدة

يشير عميد قسم اللغات والترجمة بجامعة الملك خالد الدكتور عبدالله آل ملهي إلى أن الموروث المتعارف عليه في منطقة عسير ـ وربما معظم المناطق الأخرى ـ لدى العائلات أن البنت إذا ورثت أرضا أو مزرعة فإنها ستؤول إلى زوجها، وهذا يُخرج تلك الأراضي عن ملك العائلة، وهذا مفهوم خاطئ، وهو ما يسهم في حرمان المرأة من حقها الشرعي.

ويقول «في أحسن الأحوال تقوم العائلة بتعويض المرأة بمبلغ مالي، وهذه أعراف بائدة ما أنزل الله بها من سلطان».

وأضاف «تتنازل بعض النساء عن حقهن الشرعي في المزرعة أو الأرض حتى لا يوصمن بالعار، وإذا ما طالبت المرأة بحقها فإن ذلك يعد منها من قبيل الخروج عن النمط الاجتماعي السائد».

ويكمل «كان هذا العرف مقبولا قديماً، أما اليوم، فيجب أن تأخذ المرأة حقها الشرعي من الميراث سواء نقداً أم أرضا، وإذا ما اختارت بيع نصيبها من إرثها برغبتها التامة، فبقية الورثة هم الأولى بالشراء، ولكن دون ممارسة أي ضغوط».

نص شرعي

يعد ميراث المرأة في الإسلام ثابتاً بشكل قطعي لا يقبل أي جدل أو تحايل، ففي القرآن الكريم، يقول تعالى «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا»ـ (النساء آية رقم 7).

وفسر قوله تعالى لدى المفسرين بأن «للذكور من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه، وللإناث منهم حصة منه، من قليل ما خلف بعده وكثيره، حصة مفروضة، واجبة معلومة».

وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث.

وتعد الآيات الدالة على ميراث المرأة ثابتة راسخة لا مجال للاجتهاد فيها أو التغيير، فقد تولى الله عز وجل وضع أسس هذا الميراث وضوابطه بنفسه، لأهميته، وعظم خطره، فالظلم في الميراث ربما يتعدى لأجيال متتابعة، أو تقطع لأجله الأرحام، بل وقد ترتكب بدافعه الجرائم.

أسبقية الإسلام

يؤكد توريث المرأة في الشريعة على عدالة الإسلام، فقبله لم يكن الميراث إلا للرجل القادر على القتال والضرب بالسيف لدى كثير من الحضارات القديمة، ولم يكن هناك إرث للنساء أو الصغار، بل وكانت المرأة نفسها - في بعض المجتمعات - جزءا من الميراث، ولوارثها الحق في الزواج منها، أو عضلها عنده إلى أن تدفع له مبلغا من المال.

وقرر بعض الديانات أنه «لا إرث للإناث إلا عند فقد الذكور».

لكن الإسلام سبق الشرائع والقوانين الوضعية إلى إنصاف المرأة، وكفالة حقوقها، فأبطل الممارسات الظالمة ضدها لا سيما ما يخص الميراث، وجعل لها ولاية على المال، وذمة مالية مستقلة، ومنحها حق مباشرة العقود بنفسها كعقود البيع والشراء والرهن والشركة، وجعل لها نصيبا في تركة المتوفى.

احتيال محرم

يمارس الذكور الوارثون بعض الحيل تجاه أخواتهم من البنات ليقصوهن عن الميراث، وعلى الأخص حين يكون هذا الميراث أراضي أو عقارات أو محلات تجارية، متبعين بذلك أعرافاً بالية تعيب على المرأة أن تقاسم إخوتها وذويها ميراثهم من أبيهم.

وكان مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله قد سئل عما يفعله بعض الناس من التحيل على إسقاط حق المرأة من الميراث، وأجاب «لا يجوز لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها أو يتحيل في ذلك، لأن الله سبحانه قد أوجب لها الميراث في كتابه الكريم وفي سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام وجميع علماء المسلمين على ذلك».

وأضاف «الواجب على جميع المسلمين العمل بشرع الله في المواريث وغيرها والحذر مما يخالف ذلك، والإنكار على من أنكر شرع الله، أو تحيل في مخالفته في حرمان النساء من الميراث، أو غير ذلك مما يخالف الشرع المطهر. وهؤلاء الذين يحرمون النساء من الميراث أو يتحيلون في ذلك مع كونهم خالفوا الشرع المطهر وخالفوا إجماع علماء المسلمين قد تأسوا بأعمال الجاهلية من الكفار في حرمان المرأة من الميراث».

وطالب الشيخ ابن باز رحمه الله بـ«الرفع إلى ولاة الأمور عمن يدعو إلى حرمان المرأة من الميراث أو تحيل في ذلك حتى يعاقب بما يستحق بواسطة المحاكم الشرعية».

الطمع المحرض

تحفل ذاكرة الناس بكثير من قصص حرمان الإناث من ميراثهن، يتم تداولها أحيانا بالاستنكار، وأخرى بالتأييد، وهو ما يمكن أن يشير كذلك إلى الانقسام حيال المسألة بين من يرون اتباع أعراف بعض القبائل التي ترفض خروج أراضيها خارج أبنائها حتى لو بالمصاهرة.

يذكر (س.ق) لـ«الوطن» «أعرف رجلا كبيرا في السن، لديه 3 بنات فقط، وحين كان على فراش الاحتضار في المستشفى ذهب له أحد إخوته وهو في شبه غيبوبة وحرر أوراقا تفيد بأن هذا المسن باع جميع أملاكه عليه، وتم تبصيم المسن على هذه الأوراق، وحين توفي المسن طالبت البنات بحقهن في الإرث، فجاء الرد من العم بأن جميع أملاك أبيهن بيعت عليه».

وتابعت «طالبت البنات بحقهن في الجهات المختصة وقد تبين من الأدلة الجنائية أن هذه الأوراق مزورة وتم رد الإرث للبنات».

ظلم ذوي القربى

تروي (ش ع) قصة إحدى قريباتها قائلة «دائما ما أشعر بالقهر حيالها، فقد حرمت من أبسط حقوقها، وهو حقها الشرعي في ميراث أبيها».

وتكمل «كان والدها رجلا ثريا جدا، ولديه 4 أولاد ذكور و7 بنات من 3 أمهات، مات متأثراً بمرض السرطان، وقبل موته وزع جزءا كبيرا من ميراثه لأولاده الذكور دون علم البنات المتزوجات، وإحداهن أرملة».

وتضيف «مر على وفاة الأب 10 سنوات، ولم يتم تقسيم الإرث، وما زال الأبناء الذكور ينكرون أن والدهم نقل لهم بعض ثروته قبل وفاته تهربا من أن ترثها بناته، مع علم كافة المحيطين بهم من أقارب وجيران بالأمر.. البنت الأرمله تطالب إخوتها بحقها في الميراث لسوء أحوالها المادية لكن دون جدوى، وبدل أن تمنح بعض حقها بادر ابن أخيها لاستغلال جهلها بالقراءة ووقعها على أوراق تنازل عن حصتها دون علمها».

من جانبها، تروي (ش ع)، حكاية أخرى، وتقول «ورث 4 إخوة عن أبيهم بعض الأراضي والعقارات، ومات أحدهم ولديه بنات، فخشي الأعمام أن يأخذوا إرثهم بعد وفاة أبيهم، وحاولوا بشتى الطرق منعهن من الحصول على ميراثه بحجة الأعراف القبلية التي لا تقبل بتملك أرضها لأحد من خارج العائلة إذا تزوجت إحدى الفتيات، ووصل بهم الأمر إلى حد إجبار الفتيات على الزواج بأبناء عمومتهن أو التنازل عن الإرث مقابل 70 ألف ريال، وهي قضية وصلت إلى أروقة المحاكم».

نضال للحصول على حق

تتردد في أوساط المجتمع قصة عن عائلة تضم 7 أولاد و3 بنات، ناضلت البنات الـ3 فيها على مدى 10 سنوات في المحاكم حتى حصلن على نصف حقهن من ميراثهن من أبيهن، بعد رفض الإخوة السبعة إلى جانب الأم إعطائهن نصيبهن من الميراث، معتقدين عدم أحقية الفتاة في الميراث، وفي حال كانت متزوجة، فإنهم لا يقبلون بأن يذهب الميراث للغريب «زوجها».

وخلال السنوات الـ10 حاول الإخوة جاهدين بكل السبل، بما فيها الأساليب غير القانونية «الواسطة» منع صدور حكم لصالحهن يقضي بتسليمهن النصيب المقدر لهن من الميراث، وحتى الآن لم يستلمن سوى جزء من نصيبهن، بعدما أخفى الإخوة نصف مال الورثة بطرقهم الخاصة».

(غ ي)

توفي جدها لوالدتها ولديه ثروة طائلة، لكن أخوالها أنكروا حق أمها وخالاتها ورفضوا إعطاءهن حقهن من الميراث.

تكررت القصة عند وفاة الجدة.

(س. ع)

إحدى قريباتها متزوجة، وميراثها 600 ألف، إضافة إلى عقار وأراض، لكن إخوتها الذكور استولوا على معظم حصتها وأبقوا لها 50 ألف ريال مع طقم ذهب كنوع من الترضية.

(ر.س)

نجبر على مبادلة إرث من الأرض بالمال بحجة عدم استيلاء غير الأهل على الأرض.

أسباب منع الإناث من ميراثهن

* قرر بعض الديانات أنه «لا إرث للإناث إلا عند فقد الذكور».

* أعراف تمنع مقاسمة أراضي القبيلة مع الغرباء (الأصهار).

* تاريخ متراكم كان يمنع التوريث إلا للرجل.