كنت في حاجة إلى صيانة خفيفة فطلبتُ فني سباكة عبر تطبيق (فني الأحساء) الذي يوفر كثيرا من الخدمات وحددت اليوم والوقت، ولكن الفني اتصل متأخرا عند الساعة العاشرة مساء إن كان بإمكانه الحضور في ذلك الوقت. حضر بعد نصف ساعة فقلت له لم تأخرت؟ فرد بحرج شديد "اعذرني انشغلت كثيرا بسبب كثرة الطلبات والأعمال".

لقد شدني رده وعلى الرغم من أنني لم أكن مرتاحا لحضوره في هذا الوقت المتأخر، ولم يكن العمل مستعجلا إلا أنني سُرِرت كثيرا لوفرة مثل هذه الأعمال لأبنائنا المواطنين وانشغاله بما يؤمن لقمة العيش له ولعائلته، لقد حضر وأكمل العمل على أكمل وجه وكان قنوعا ولم يشترط أي مبلغ، إنه مثال للكفاح والمثابرة وحتما لديه الدوافع التي جعلته يعمل إلى وقت متأخر من الليل.

بين الفينة والأخرى توافينا مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأبناء الوطن الذين تخرجوا في الجامعات بمختلف الشهادات والتخصصات ولكنهم مع الأسف لم يحصلوا على الوظائف التي تلبي طموحاتهم وتحقق أحلامهم فاضطروا إلى العمل في المطاعم ومراكز التموين ومحطات الوقود وعمل الشاي على الطرقات وغيرها من الأعمال لكسب لقمة العيش، ولكي لا يصبحوا عالة على الجمعيات الخيرية والمجتمع على الرغم من حصول البعض منهم على درجات عليا ماجستير ودكتوراه.

لا شك أن كل طالب يبحث عن الوظيفة المناسبة التي تلبي طموحاته بعد دراسته لعدد من السنوات وتخرجه، وذلك من حقه ولكن قد يتأخر ذلك كثيرا بسبب الشح في الوظائف والاشتراطات التعسفية لعدد من سنوات الخبرة التي لا يمكن الحصول عليها ما دام المواطن قابعا في داره وكل جهة عمل ليس لديها الاستعداد للتنازل والاستثمار في أبناء الوطن وتدريبهم لكسب الخبرة المطلوبة التي تفتح لهم آفاقا واسعة. فينتهي بهم الأمر إلى الصبر وتفويض الأمر إلى الله عز وجل والثقة به والسعي الجاد في البحث فهو مقسم الأرزاق وهو القائل "وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ". وخلال فترة الانتظار يمكنهم العمل في أي مهنة كريمة تحفظ لهم كرامتهم فليس في ذلك حرج ولا عيب فقد عمل أفضل الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين في رعي الغنم والتجارة.

إنها دعوة لأبنائنا الشباب للالتفات إلى مثل هذه المهن التقنية كالسباكة والكهرباء وغيرها التي ابتعد عنها كثير من المواطنين وأصبحت بيد العمالة الأجنبية. نسبة كبيرة من الحاصلين على شهادة الكفاءة والثانوية قد لا يجدون وظائف بسهولة، وإن وجدوا عادة تكون رواتبهم منخفضة بينما الانخراط في دورات في المعهد المهني وكسب هذه المهن السهلة من شأنه تحسين أوضاعهم المادية. ولا يمنع أيضا خريجي الجامعات من الالتحاق في هذه الدورات وتعلم مثل هذه المهن للحاجة الشخصية والمهنية حتى يأتيهم الفرج. ولا يُقتصر ذلك على الشباب بل حتى الشابات يمكنهم الالتحاق ببعض الدورات التي تناسبهم لملء وقت فراغهم وصقل مواهبهم وتنمية هواياتهم وكسب الخبرة. ولدعم هذه الطاقات الواعدة من أبناء الوطن يحتاج المجتمع الوقوف معهم وتشجيعهم، ومن جهات الأعمال الاستثمار فيهم والتسريع في توطين الوظائف لتقليص نسبة البطالة ضمن رؤية 2030.