الشر يعم والخير يخص، نسمع هذه الجملة كثيراً في مجالسنا، وتطرق أسماعنا بين الفينة والفينة، وتمر أمام أعيننا أثناء استمتاعنا بقراءة كتاب جديد، أو الاستعانة بمرجع قديم، أو تصفح صحيفة مع قهوة الصباح.

الخير تألفه النفوس، ويتفاءل به الناس، ينشر الفرح، ويزيد مقومات السعادة، ويعطي نوعا من الأمان من فتك نوائب الدهر، وزلازل إفرازات أحداث الحياة وبراكين صراعاتها.

والشر شؤم ينكره الناس، يعكر صفو الحياة، ناره محرقة، وأنيابه مسمومة مهلكة، عدو الكل، ليس له ولي مقيم ولا صديق حميم، يأكل الأخضر واليابس، ليس له حدود مكانية ولا زمانية، يفتك بالقريب والبعيد، المحسن والمسيء، يبدأ بمحيط ضيق ثم يتسع ككرة الجليد يزيد كل لحظة وثانية دون توقف تلقائي.

الخير والشر من سنن الله في خلقه، قال تعالى "وهديناه النجدين".

توأمان متلازمان يوجدان بدواخلنا، هما كفتا ميزان، في أي لحظة ترجح إحدى الكفتين عن الأخرى، كَأَنْ يَتَغَلّب الخَيْرُ على الشّرِ، فينعم البشر بحياة آمنة مطمئنة، أُلْفَةٌ وتآلف، حب سائد، وتعاون ملموس، بين أفراد المجتمعات، تنافس شريف قائم، وإبداعات تترى متلاحقة، توحي بمستقبل زاهر، وحضارات مشرقة، علم منتشر، وجهل آفِل، مجتمعات راقية، وأفراد ذوو عقول وضّاءَةٌ، وأفكارٌ مٌتَّقِدَةٌ، مكامن خير، سواعد أمل، رواد كفاح وبناء.

أو ترجح كفة الشر، فتسود الفوضى في المجتمعات وينتشر الجهل، ويخيم ظلامه، حمم بركانية، وفيضانات عدوانية، تسونامي مدمر يهلك الحرث والنسل، لا يفرق بين مُصْلِحٍ ومفسدٍ، ظالمٍ وعادلٍ، أو بر وفاجر.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ.

فعلينا أفراداً وجماعات، وأُسَراً ومجتمعات، أن نأخذ على يد كل سفيه، دون هوادة، كي لايتمادى في نشر الشرور، وتأخذه العزة بالإثم فيدمر كل خير وفضيلة، فيستشري شره ويخرج من محيطه الضيق ليفسد الأرض الصالحة، ويلوث الفضاء النقي فلا يخرج إلا نكدا، وسيتمخض الفأر الحقير فيلد جبالاً شاهقة من البلايا والمصائب التي ستنال الكل دون استثناء.

جاء في الحديث، عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".