لا يختلف أحد على أن الإساءة للرموز الدينية لمختلف الديانات أمر مستنكر ومخالف للأعراف الإنسانية والتعاليم الدينية، والرسول محمد عليه الصلاة والسلام يمثل للمسلمين القيمة الدينية الأكبر لديهم، وعدم احترام هذه القيمة بالقول أو الفعل يعد عملا جارحا ومستفزا لمشاعر الملايين حول العالم واستخفافا بمعتقداتهم، خاصة إن كان هذا يحدث عن إصرار وتعمد كما كان في تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إبان تأبين المعلم الفرنسي صامويل باتي، الذي قُتل ذبحا على يد متطرف مسلم عقب عرضه رسوما مسيئة للرسول، وادعى أنه يدافع عن الرسول الكريم بقيامه بهذه الجريمة البشعة.

سواء أكان الخطاب الذي ألقاه ماكرون موجها للشعب الفرنسي الذي تعد حرية الرأي حقا مكفولا للجميع فيه أو موجها للعالم، فإن المتلقي المسلم في فرنسا وخارجها يجب يدرك أن بشاعة جريمة القتل التي اُرتكبت باسم الإسلام ودفاعا مزعوما عن الرسول، تقتضي أن تدافع الدول بعدها عن قيمها وحرياتها التي تقوم عليها إذا ما كان الإرهاب هو ما تجنيه في المقابل، ويلقي بالتالي مسؤولية أكبر على المسلمين المقيمين في فرنسا قبل أي أحد آخر. ثم على المنظمات والهيئات الدينية الإسلامية حول العالم في العمل على تحسين صورة الإسلام لدى الآخر بنفي تهمة التطرف عنه، وتوضيح مبادئه التي تقوم على السلام والعدالة والخير، فالتطرف الديني والعمل الإرهابي باسم الأديان شائع وفي حقيقته لا ينتمي لدين ولا ينبغي له. وكما ظهر إرهابيون ينتسبون للإسلام فهناك إرهابيون انتسبوا للمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها، والمنصفون مجمعون على أن الإرهاب لا دين له ولا هوية، ولكن الأعمال العشوائية التي تقوم على عاطفة هشة وقيم غير سوية هي ما يجعل من الصورة النمطية في الغرب عن المسلم بأنه يدين بالعنف وأنه احتمال قائم لأي عمل إرهابي، وهو ما دعا الرئيس الفرنسي إلى أن يعلن عن حق بلاده في حفظ أمنها إن كانت تواجه تهديدا من التطرف الإسلامي الموجود على أرض فرنسا.

لقد عانت الدول الإسلامية قبل أي دول أخرى من التطرف والإرهاب باسم الإسلام، فقد قتلوا المصلين وتطاولوا على حرمة المساجد والوالدين والآمنين في بلادهم وديارهم تحت مسوغات فقهية باطلة، يرون أن في القيام بها نصرة للإسلام ونيلا للشهادة التي توصل للجنة. ورأينا من المسلمين بيننا من يصف القاتل الإرهابي الذي قتل المعلم الفرنسي صامويل بالشهيد، ويصنف ما قام به بأنه عمل بطولي نصر به النبي محمد، الذي لم يُعرف يوما في سيرته الطيبة بسوء خلق أو عنف حتى مع من ناصبوه الكراهية والعداء. وهنا تقع الإشكالية الكبرى لأغلب المسلمين -خاصة مسلمي المهجر.

ليست مشكلتنا اليوم كمسلمين وبلاد مسلمة ما تقوم به العلمانية المتطرفة باعتبار أن السخرية من الرموز الدينة نوع مع التعبير الحر عن الرأي -برغم رفضهم التشكك في محرقة الهولوكوست على سبيل المثال- بل إن مشكلتنا الحقيقية هي ضعف الهوية الإسلامية لدى الفرد المسلم، فهو غالبا ما يعوض ضياع الهوية لديه بين واقعه كمسلم وبين ما يراه ويتلقاه من الواقع المنفتح الجديد بالعنف والتطرف الذي يصل للإرهاب، خاصة إن كان ما يتلقاه من تعاليم إسلامية تميل لتبني هذا النوع من التطرف الأصولي الذي يرى في الآخر المختلف عنه كافرا يستحق الموت والعذاب والنار، ويسوّغ له قتله بعد أن يبرر له كراهيته وازدراءه وإن كان يقيم على أرضه ويحتكم إلى قوانينه العلمانية التي ضمنت له البقاء والحرية في العمل والتعبد.

التشدد في فهم وتطبيق الدين الإسلامي اتخذته التيارات الإسلاموية السياسية التي تدير معارك الإرهاب منذ سنوات حول العالم، كالإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحزب الله وغيرهم، فتجنيد طاقات شابة عنيفة تنطلق لتحقيق أهدافهم من خلال قناعات دينية متشددة هي الضامن لهم للبقاء والسيطرة، وخلق الشتات والتشوه في فهم الدين الإسلامي وصورته لدى الآخر. وهو تشدد ليس بعيدا عن التزمت المستقى من كتب التراث الإسلامي التي تتساهل في التكفير والنبذ والقتل، ولا تقدس حرمة قتل النفس التي تجمع الأديان كافة عليها، ويؤكد عليها القرآن الكريم ونبي السلام محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

إن الحرص على صورة الإسلام واعتداله في الوقت الراهن، وعلى تكثيف الجهود الأممية المبذولة لتقبل الآخر والتعايش السلمي، ونبذ خطاب الكراهية ونشر ثقافة السلم والاعتدال، هو ما ينبغي أن يكون أولوية لدى المسلمين وليس الحرص على إدانة هولوكوست حرية الرأي الفرنسية.