«عندما تكون هناك كرة قدم على سطح القمر، سأذهب إلى هناك وأحصل على القليل من متعتها».

هكذا قال بيليه، وهو يتحدث بعينين دامعتين لموقع (FIFA) بمناسبة يوم ميلاده الـ80، رغم هذا، يبدو أسطورة كرة القدم دائم الشباب، ربما تشير شهادة الميلاد إلى أن «أديسون أرانتيس دو ناسيمنتو» ولد في 23 أكتوبر 1940، بيد أن من يشاهده وهو يسير ويبتسم ويمازح الجميع، لا يمكن أن يصدق بأنه يدخل عقده التاسع.. مجلة FourFourTwo الإنجليزية توقفت مع «الملك» ليجيب عن أسئلة معجبيه في العالم.

مضايقة الاسم

هل اختصرت اسمك إلى بيليه لتوفر وقت التوقيع على أوتوجرافات المعجبين؟

لا، على الرغم من أنني لو اضطررت لكتابة اسمي كاملا سأحتاج يوما كاملا (يضحك).. بيليه كان لقبي منذ كنت في المدرسة في ساوباولو، ولا أعلم لماذا.. بدأ الأولاد مناداتي بذلك، وكنت أغضب وأتعارك معهم.. كان عمري 5 سنوات وكنت محبطا، لم أفهم لماذا ينادونني بيليه.. والدي منحني اسم «أديسون» بسبب المخترع الشهير «توماس أديسون»، لذا كنت أتعارك معهم وأعتقد أن ذلك سبب استمرار الاسم لأنهم أصبحوا ينادونني به لمضايقتي، لكن الآن أعتقد أن ذلك كان جيدا كونه اسما سهلا والعالم بأكمله يعرفه.

هل كانت هناك لحظة معينة أدركت حينها أنك ستصبح الأفضل في العالم؟

في الواقع لم أدرك ذلك أبدا لأن والدي كان لاعبا في ساوباولو والجميع يعرفه، لذا في البداية كنت مجرد ابن «دوندينيو»، عندما أصبح عمري 13 بدأ الناس يقولون «أوه.. ابن دوندينيو لاعب جيد» وليس «بيليه لاعب جيد»، عندما بلغت 16 عاما كان هناك صديق لأبي يدعى «فالديمير دي بريتو»، أخذني للتجربة في سانتوس وبعد أسبوع قالوا لي «سنوقع معك وستبقى هنا».. لكن عليك أن تعرف كيف كانت حياتي بعد ذلك، لم يكن لدي وقت للتفكير، ففي الـ16 لعبت مباراتي الأولى مع سانتوس وفي الشهر التالي استدعيت للمنتخب، ولعبت في «ماراكانا» ضد الأرجنتين وأحرزت هدفا، في الـ17 اختاروني لكأس العالم، وأصبحت أصغر من يفوز بها.. لم أتوقف عن القول «أنا الأفضل» أو مقارنة نفسي بلاعبين آخرين، بيد أن والدي اعتاد أن يقول لي «لم تحتج أي شيء للعب الكرة لأنها هبة منحها الله لك، لكن عليك الآن أن تكون مستعدا لأنك عندما تكون كذلك لن يوقفك أحد».. تلك كانت نصيحة والدي ولهذا كنت طوال حياتي أسعى لأن أكون كذلك.

المونديال الأول

هل تتذكر مونديالك الأول عام 1958؟

أتذكره تماما، أولا لأن مشاركتي كانت جيدة وأيضا لأنها المرة الأولى التي أسافر فيها خارج البرازيل، لا أنسى حماسي بعد فوز النهائي ورغبتي في إخبار عائلتي، أردت الاتصال بهم لأعرف إن كانوا يعلمون عن ذلك لأن الوسيلة الوحيدة لذلك حينها كانت الإذاعة فقط، لذا قلت للصحافيين «أريد الاتصال بوالدي، أين يمكن أن أجد هاتفا؟»، لكن لم يكن لديهم هاتف واضطررت للانتظار حتى اليوم التالي.. أتذكر أنني قلت في الهاتف «مرحبا، نحن الأبطال!» وكان كل اللاعبين الآخرين ينتظرون في الصف لمكالمة أحبائهم في الوطن.. اليوم إذا سجل لاعب هدفا يركض باتجاه الكاميرا ويقول «أمي، أنا أحرزت هدفا».. الأمور كانت مختلفة جدا في تلك الأيام.

يقول البعض إنك لم تخترع «ركلة الدراجة»، هل هذا صحيح؟

نعم، قبل ظهوري بوقت طويل كان هناك مهاجم في البرازيل يدعى «ليونيداس»، وهو أول من نفذها.. عندما كنت صغيرا حاولت فعلها وتدربت عليها حتى أتقنتها، بيد أن ذلك لم يكن نادرا، فكل الأطفال في البرازيل كانوا يحاولون تنفيذها.

ماذا كان يدور في ذهنك عندما تصدى الحارس «بانكس» لرأسيتك في مونديال المكسيك؟

مذهل لأن ذلك كان قبل نصف قرن تقريبا، ومع ذلك يسألني الناس طوال الوقت عنها.. أحرزت أهدافا في تلك البطولة ولكن الناس لا تتذكرها، أحيانا أشاهد التلفاز وقبل المباريات يعرضون تلك اللقطة، فأقول «لماذا لا يعرضون الأهداف؟» (يضحك)، لكن بالنظر إلى ذلك بطريقة أخرى، لو كانت ولجت المرمى فمن المحتمل أن الناس قد نسوها الآن.. لقد اعتقدت أنه كان هدفا، لا أعرف ما إذا كنتم قد رأيتم ذلك، ولكن هناك لقطة على التلفزيون يمكن رؤية أنني بدأت في القفز لأصرخ «جول»، ثم قلت «أوه!».. لقد كان تصديا رائعا، يظهر أنه ليست الأهداف فقط هي ما يتذكره الناس.

ما الفترة الأقل في مسيرتك؟

أوقاتي الرائعة كثيرة، لذا يصعب التحديد.. (بعد توقف طويل) الإصابة التي تعرضت لها ضد البرتغال في مونديال 1966، قبلها فزنا بلقبي 1958 و1962 وكنا نمتلك فريقا جيدا جدا، واعتقدنا أننا قادرين على إضافة لقب آخر، لذا عندما أصبت وخسرنا اللقب كانت حالتي نفسيا سيئة جدا، كانت بطولة قاسية وكنت مكتئبا وفكرت في التوقف، بعدها بعامين بدأت بتحضير نفسي، وقلت «حسنا سألعب في مونديال 1970»، واتضح لاحقا أنها كانت بطولتي الأفضل.

عروض وندم

رفضت عروضا أوروبية عدة للانتقال وفضلت البقاء في سانتوس، هل ندمت يوما على ذلك؟

بعد عام 1968 وصلتني عروض للذهاب إلى أوروبا والمكسيك، وقلت «أنا على ما يرام في سانتوس، لا أريد التغيير»، كنا كعائلة وهو الشيء الأهم.. في تلك الأيام لم تكن المبالغ التي يقدمونها كبيرة جدا حتى لا يمكنك رفضها، قدم ريال مدريد عرضا ممتازا وأراد جيوفاني أنيللي (رئيس يوفنتوس) منحي حصة من شركة السيارات «فيات» مقابل توقيعي، وكانت حينها فتحت مصنعا لها في البرازيل وأرادوا استخدامي للترويج لها.. أحيانا أمازح لاعبي البرازيل الآن، أراهم يقبلون الشعار على قمصان فرقهم ويقولون «أحب مانشستر»، وفي العام التالي، ينتقلون ويقولون «أنا أحب روما».. إنهم لا يحبون النادي، بل يحبون المال، ولهذا السبب انتقلوا.. لا بأس بذلك، ولكن في مرحلة ما عليك أن تقرر ما تحبه: الفريق أم المال؟.

أحرزت 1000 هدف، هل تفضل واحدا منهم؟

أمر صعب، لكن ربما سأختار الهدف 1000 لو جاء بضربة مقصية أو برأسية كتلك ضد إيطاليا (في نهائي مونديال 1970) بدلا من ركلة جزاء، لكنني أعتقد بأنها مشيئة الله لأنه لو جاء بركلة مقصية أو عبر لعب مفتوح، ربما سيكون البعض مشغولا بالحديث أو بالأكل وسيفوته ذلك، لكن مع ركلة جزاء كان الجميع يشاهد، وهذا مهم في رأيي بسبب المشاعر العاطفية التي صاحبته، كنت هناك في «ماراكانا» بوجود 125 ألف متفرج بدأوا جميعهم في الصياح «بيليه.. بيليه»، كانت ساقاي ترتعشان.. عندما يتعين عليك تسديد ركلة جزاء في كأس عالم أو في مباراة كبيرة، يصبح الأمر صعبا للغاية، يصبح الحارس أكبر والمرمى يبدو أصغر.. كانت مسؤولية كبيرة، لم يكن إهدار تلك الركلة ممكنا.

بعيدا عن كرة القدم، ماذا تحب أن تفعل؟

كتابة الأغاني للأطفال وأغاني «السامبا»، أو صيد الأسماك.. لدي مزرعة بالقرب من ساوباولو بها بحيرة كبيرة حيث يمكنك صيد سمك السلمون والأسماك البرازيلية.. عندما كنت مع المنتخب، كنا نسافر كثيرا وكان اللاعبون يلعبون السنوكر، وأحيانا الورق، لكن هوايتي كانت الجلوس مع جيتاري وكتابة الأغاني، في الماضي أصدرت بعض أغاني الأطفال، وعملت في أستوديو مع صديق لي على إنتاج قرص لأغانٍ خاصة بي ووزعته بالفعل.

ثرثرة مارادونا

عبر الصحف، تبدو علاقتك حادة جدا مع دييجو مارادونا، كيف تتصرفان عندما تلتقيان وجها لوجه؟

ليس لدينا أي مشاكل، إنها الصحف فقط.. تواجدت في مباراة اعتزاله وفي الاحتفال بعدها، المشكلة إنه يحب الحديث وأحيانا تدفعه الصحف إلى ذلك، ولكن لم يكن لدي معه مشكلة أبدا.. لسنا أصدقاء هذه حقيقة، وأشعر بالأسف تجاهه.. كان لاعبا عظيما أفقدته المخدرات الطريق الصحيح، آمل أنه تخطى ذلك ويعيش حياة طبيعية الآن، هذا ما أتمناه له.

لماذا لم تدخل أبدا عالم التدريب؟

أولا وقبل كل شيء لأنني لعبت طوال 35 عاما، عندما اعتزلت، بعد ذهابي إلى كوزموس لترويج اللعبة في أمريكا، توقفت وفكرت بأنني كنت لاعبا كل حياتي تقريبا، ولو أصبحت مدربا سيستمر الأمر تماما كما كنت كلاعب، لا حياة، أو حتى أسوأ، لأن عمل المدرب أسوأ من اللاعب.. إلى فترة ليست بالبعيدة كنت أتلقى عروضا من أندية برازيلية وأوروبية وإفريقية لكنني لم أرغب أبدا في أن أكون مدربا، وللسبب نفسه لم أرغب في أن أكون رئيسا لـ(فيفا) لأنني لن أجد وقتا لنفسي أبدا.

ذات مرة قلت إن منتخبا إفريقيا سيفوز بكأس العالم بحلول عام 2000، ما مدى قربها من كسر الاحتكار الأمريكي الجنوبي والأوروبي؟ وهل تعتقد أن آسيا لديها فرصة للنجاح مستقبلا؟

لم أقل ذلك قط، الصحيفة من قالت ذلك!.. ما ذكرته هو أن إفريقيا أنتجت لاعبين جيدين كثيرين ذهبوا إلى أوروبا وتعلموا أكثر، وسيصبحون أقوى.. قلت إن منتخباتها موهوبة بالفعل وتملك الإمكانات ويمكن أن تكون لديها فرصة، ولم أقل إنهم سيفوزون.. ما زلت أعتقد أن منتخبات إفريقيا أقرب لذلك من نظيرتها الآسيوية، أيضا الولايات المتحدة على نفس المستوى، بيد أن الميزة التي يتميزون بها على إفريقيا هي أنهم منظمون للغاية خارج الملعب، في إفريقيا، البطولات المحلية ليست منظمة وقوية.

زيدان الأفضل

من تصنفه ليكون الأفضل في العالم حاليا؟

لا أحب قول من هو الأفضل، حينها ستقول الصحف«بيليه يقول (إكس من اللاعبين) هو الأفضل»، هذا سيضع ضغوطا أكثر على ذلك اللاعب، عموما أفضل اللاعبين هم أولئك الذين يظهرون أداء ثابتا على مدى سنوات عدة، لهذا بالنسبة لي كان زيدان الأفضل في العالم خلال الـ10 سنوات الأخيرة له كلاعب.

أي لحظة واحدة في كامل مسيرتك منحتك الرضا الأكثر؟

كنت محظوظا بكثير منها ولكن أستطيع القول بأن هناك لحظتين تتفوقان على الجميع، أول لقب كأس عالم لي، كان بمثابة حلم، وآخر كأس عالم عام 1970، ففي ذلك الوقت كانت البرازيل تعاني مشاكل (كانت البلاد تحت حكم عسكري) وكانت هناك ضغوط هائلة علينا للفوز، ولكن الله منحني القوة وفزنا.. لهذا تلك اللحظتين مختلفتين جدا، الأولى عندما كان كل شيء احتفالا والأخرى حيث كانت كل المسؤولية على كاهلي.

هل صحيح أنك التحقت بالجيش لمدة عام بعد عودتك من مونديال 1958؟

نعم، عندما بلغت الـ18 في أكتوبر من ذلك العام.. كان ذلك رائعا، ولو بمقدوري سأخبر ابني وكل الصغار بأن يفعلوا ذلك لأنك تتعلم كثيرا هناك، بالنسبة لي كانت تجربة جيدة لأنني كنت للتو قد توجت بطلا للعالم وعندما عدت قلت«حسنا، سأكون حرا الآن!»، ولكن أصدقائي في سانتوس قالوا«لا، عليك الآن أن تكون قدوة للشبان الصغار، عليك الذهاب للجيش»، وهكذا فعلت.. تعلمت أمورا كثيرة، وأكثرها أهمية كان الانضباط، وهو بلا شك أمر ساعدني في كرة القدم.

ـ لم أدرك أنني سأكون الأفضل

ـ أوقاتي الرائعة كثيرة وأفضلها مونديالا 1958 و1970

ـ لا خلافات لي مع مارادونا.. لكن الصحف تتعمد ذلك

ـ بيكنباور وبوبي مور من أروع المدافعين الذين واجهتهم

ـ اللاعب الأفضل هو من يقدم أداء جيدا على مدى سنوات

ـ زيدان الأفضل في السنوات الـ10 الأخيرة من عمره كلاعب