لقد كان لِمولِده صلى الله عليه وسلم الفجُرُ السعيد والتحول الكبير في حياة البشرية، اهتزت له أركان الأرض والسماء ترحيباً وابتهاجاً.

إنه الإنسانيةُ المُثلَى مُجتمعةً في قلبِ رجُل واحد فكان يِحنُ له الشَجَر ويبكي من فُراقِه الحَجَر فكيف بقلوبِ البشر.

حمَل رِسالة ربه الخالِدة بنسائم معطرة من مشكاة النبوة يصحبه الأمين جبريل عليه السلام فكان الرحمةُ المُهداة للإنسانية جمعاء، قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

وتتمثل عظمةُ مُحَمد بأنه كان أُمة في رجُل واحد وهو أُميٌ لا يقرأ ولا يكتب! فكانت أبصارُ الناسِ ظمئة إليه يترقبونه لينهلوا منه أُسُس الإصلاح والتقوى.

غايات دعوته السامية تسيّد نور العلم والإيمان وتقويم الفِطرة وإزالة شوائبها وإيقاظها للعودة لفاطِرها بعد إركاسها وإنكاسها من قِبل محاور الشر وأعداء الإنسانية، وكانت الوسائل هي الحقُ وميزانُ العدل والعِلم البين والمنهج السوي والتشريع القويم المتناغم مع قوانين الخلِق في هذا الكون.

ورُغم حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية البشرية جمعاء إلا أنه وبتعاليم ربانية لم يكن يُجبرُ الناس على ذلك بل الدين بالخيار فمن أراد أن ينهل من حقوله العطِرة فله ذلك وهو الفوز العظيم، ومن كره وأبى فحسابه عند ربه.

ولم يخرج بسيفه إلا على الذين عتوا في الأرض عتواً كبيراً وظلماً وقسوة على الضُعفاء والتطاول على ممتلكاتهم ليفتنوهم عن دينهم، فكان نصير المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال ومنصفاً لغير المسلمين والمسالمين منهم حِفاظاً لحقوقهم ورداً لكرامتهم المُهدرة من قِبل زعماء الجهل ورواده.

قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الآية.

وناله صلى الله عليه وسلم من الأذى والمِحن ما لم يتحمله بشر، ومع عزم لا يلين كان يدعو لأمته راجيا طامعا في هدايتهم بقوله (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) وكونه رجُل سَلام ويدعو للسلام والإسلام فقد عفا عمن ظلمه وأخرجه من دياره إلى أن قضى نحبه وآثر لقاء ربه وقد بلغ رسالة خالقه العظيم ونصح أمته وأرشدهم للحق المبين فكانت الثمرة.. خير أُمةٍ أُخرجِت للناس.

ولا يضُر العُظماء تطاول الأقزام وأصحاب الأحقاد المتراكمة على مدار القرون فكيف بأعظم من مشى على الأرض! وما ذاك إلا لعلو رِفعته وعظيم شأنه بين الأُمم، فهؤلاء القوم لم يبحثوا في منهجية رسالته بعينٍ بصيرة وإدراكٍ نافذ لعظمة ما يدعو إليه بل كانوا ينظرون لمنهجه بقلب أعمى وعقل أبكم وآذان صماء.

بل إن اجتراءهم عليه كان سبباً لإحداث زلازل فكرية لكثيرٍ من الأُمم والشعُوب الجاهلة لِشخصه الكريم ومنهجه القويم فيعمدون بالبحث والقراءة عنه فتتجلى لهم الحقائق البينة والمخالفة لِم تم رسمه لهم وتصويره في أذهانهم من التكذيب وتزييف الوقائع فيدخل كثير منهم في دين الله، فيرتدُ كيدُ الخائنين في نحورهم، قال تعالى (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، فلله دره من رجُل عظيم في حياته وبعد موته.

وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.