العشق مفردة قديمة تعني الحب الشديد، والتعلق، والاهتمام، وله صور كثيرة، ولستُ هنا بصدد العشق الذي يربط رجلاً بامرأة، فهذا ليس حديثي الذي أريد الخوض فيه.

من أعشقها يشاركني في عشقها ملايين البشر من مختلف الأعمار، ومن شتى الفئات، بلونها الجميل، ورائحتها الزكية، وعبقها الذي يملأ المكان أنها من قال فيها الشاعرأحمد الشامي:

وقهوة كالعنبر السحيق *** سوداء مثل مقلة المعشوق

أتت كمسك فائح فتيق *** شبهتها في الطعم كالرحيق

تدنى الصديق من هوى الصديق *** وتربط الود مع الرفيق

إنها القهوة، سوداء أو بيضاء، عربية أو تركية، حلوة أو مرة، أياً كان نوعها، أو منشؤها، أو طعمها، فهي لذيذة.

حين لا أشرب القهوة أشعر بالضيق، وأنني أفتقد شيئاً كبيراً، وحين ألتقف كأسي وأتجرع ما فيها تملأ قلبي السعادة، ويذهب ما فيَّ من ضيق وإحساس بالتعب، ويدب فيَّ النشاط.

ولكن حقيقة الأمر أن هذه الأحاسيس جميعها ليست إلا وهماً، فحبنا للقهوة وشغفنا بها جعلنا ننظر إليها كدواء لأوجاعنا، وجالب السعادة لنا، فنحن نعلم أن القهوة كيف لصاحبها والكيف وهم نحن خلقناه وصدقناه.

حين أرتشف قهوتي في الصباح أشعر بالدلال، فهي مفتاح يومي، ففي القهوة سحر، يبطل تعويذات الوحدة، والإرهاق، والغياب.

أليس جميلاً أن شيئاً من الترف في تناول فنجان من القهوة يصبح ضرورة يومية تشعرني بأناقة يومي، وقد أعجبني كثيراً قول أحدهم: "خذ كوباً من القهوة، وأدر ظهرك للعالم، واستمتع بعزلتك".

تحية مكللة بالتقدير والاحترام لمن يشاركوني هذا العشق، ومنهم نعمة الزحيفي التي تقول:

أنام مبكراً في كل ليل *** وأصحو قبل منبلج الصباح

أحضر قهوتي السمراء فوراً *** وديك الجار يبدأ بالصياح

ولي في قهوتي عشق قديم *** يلازمني بظعني أو رواحي

تزيل الهم عن قلب سقيم *** وتشفي الصدر من وهم الجراح

وفيها السحر من عبق الدوالي *** وفيها البوح من شفة الأقاحي

كأني حين أرشفها بشوق *** أحلق في الفضاء بلا جناح

ويحملني الغمام إلى صحارى *** ينام الرمل فيها بارتياح