قبل قرابة عامين دشن ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، عراب رؤية المملكة 2030 وراعيها، برنامج الجينوم السعودي، كأحد أهم المشروعات والبرامج الوطنية الرائدة التي أطلقتها المدينة، لتحقيق الرؤية المباركة، وخصوصا في مجال الصحة، والحد من الأمراض الوراثية بالمملكة، وليكون خير مساهم في بداية عصر جديد لصحة الناس، وتحسين جودة حياتهم؛ وقبل أيام أعلنت المدينة، وفي إنجاز وطني يعد الأكبر بالشرق الأوسط، عن نجاح البرنامج في توثيق 7500 متغير للأمراض الوراثية والجينية بالمملكة، منها 3000 متغير جيني مسبب لأكثر من 1230 مرضاً وراثياً نادراً في مجتمعنا..

برنامج الجينوم السعودي يدعم عدداً من البرامج للحد من الأمراض الوراثية والجينية كالفحص الطبي قبل الزواج، وفحص الأجنة، وفحص حديثي الولادة، ويسهم في تحسين طرق علاج الأمراض عن طريق الكشف عن التركيبة الوراثية والجينية للفرد، وإعطاء المريض الدواء المناسب لتركيبته الوراثية والجينية، والكشف المبكر عن بعض الأمراض المزمنة التي لها مسببات جينية كسرطان القولون والثدي والدماغ، وأمراض القلب، والأمراض العصبية، وخفض نسبة انتشار بعض الأمراض التي لها جانب وراثي كالسكري، والتوحد، والتأخر في القدرات العقلية، وفقدان السمع أو البصر، وغيرها من الأمراض.

موضوع الجينوم، ومن الناحية الشرعية، تم بحثه في ملتقيات ولقاءات عديدة، ومنها بمجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، في دورته الحادية والعشرين، التي عقدها بالرياض، قبل 7 سنوات، وقرر أن قراءة الجينوم البشري وهو: (رسم خريطة الجينات الكاملة للإنسان)، جزء من تعرف الإنسان على نفسه، ووسيلة للتعرف على بعض الأمراض الوراثية أو احتمال الإصابة بها، وهي إضافة قيمة إلى العلوم الصحية والطبية في مسعاها للوقاية من الأمراض أو علاجها، وتدخل في باب «الفروض الكفائية» في المجتمع، كما ذكر مجموعة من الأحكام لمراعاتها، من أهمها استخدام الجينوم البشري أو جزء منه في المجالات النافعة؛ كالوقاية والتداوي من الأمراض، وعدم استخدامه استخداماً ضاراً، وعدم جواز إجراء أي بحث أو القيام بأي معالجة أو تشخيص يتعلق بــ(جينوم) شخص ما، إلا بعد إجراء تقييم سابق ودقيق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وضرورة الحصول على إذن صحيح معتبر شرعاً من الشخص نفسه، أو وليه الشرعي لتحليل خريطته الجينية، مع وجوب الحرص على مصلحة الشخص المعني، وأن لكل شخص الحق في أن يقرر ما إذا كان يرغب أو لا يرغب أن يحاط علما بنتائج أي فحص وراثي أو بعواقبه..

بقي أن أقول إن الجينوم البشري، وفي أسهل تعريف له، هو كامل المادة الوراثية الموجودة في أغلب خلايا جسم الإنسان، والمعروفة اختصارا بـ«الحمض النووي DNA»، وكل جسم بشري يحتوي على نحو 100 تريليون خلية، ومن أهم أهداف هذا الفتح الجديد أيضا، تعزيز الصحة العامة، وتحسين استخدام الأدوية للمرضى بناء على معلوماتهم الجينية، وتقليل العبء الاجتماعي والاقتصادي للأمراض الوراثية والجينية، ونقل التقنية وتمكين إنشاء شركات وطنية في مجال التقنية الحيوية، وصدق الحق: {سَنُريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم}.