(نحن نغار على مقدساتنا الدينية) فالغيرة غريزة قطيع لا علاقة لها بالدين، فمحمد عليه السلام يتحول إلى أملاك خاصة بالأصولية الإسلامية، وعيسى عليه السلام يتحول إلى أملاك خاصة بالأصولية المسيحية، ولهذا فالغرب ينتقد تراثه بل ويسخر من رموزه الدينية حتى في أفلامهم السينمائية عن (آدم، حواء، نوح، إبراهيم، إسحاق، يعقوب، يوسف، موسى، عيسى، مريم عليهم السلام أجمعين)، ولا تغضب الأصولية الإسلامية أبداً (ليسوا من أملاكهم الخاصة) فهؤلاء (أملاك عمومية)، هكذا هو عقل القطيع أما عقل (المؤمن) فيعلم (أن الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل لن تضرهم شيئا وإنما تخدم أصحاب الدعوات المتطرفة)، فالأنبياء جميعاً عند المؤمن نور وهدى تحويه القلوب بالوحي الذي جاؤوا به فقط، أما المتعصب فيرى الأنبياء مجموعة من الأملاك الخاصة والعامة تحويها الصور والتماثيل، فهو أقرب لخوف الوثني على صنمه من التشويه أو الكسر.

غريزة القطيع يمكن لأي عاقل أن يتفهمها كجزء من ظاهرة (الأصولية المسيحية الإسلامية) التي نشأت بدعم من الدول الغربية وحلفائها، ضد ما سمي (الإلحاد الشيوعي)، وعندما انتهى الاحتياج الغربي لهذه الأصوليات الدينية، لم يستطع تفكيكها فظهرت على شكل دمامل في وجه الحضارة الإنسانية تنفجر دماً وقيحاً وصديداً هنا وهناك (علي يد اليمين المتطرف المسيحي الإسلامي)، ليبدأ العالم من جديد وضع نفسه تحت العلاج الكيماوي المسمى (مكافحة الإرهاب) في كل أنحاء العالم وفق ثقافة كل بلد، باتجاه عولمة ثقافية واحدة تؤكد على التعددية والتسامح وحرية التعبير.

أرجو ألا نبالغ في المطالبة باحترام الأديان، فالمبالغة ستصنع إلزامات قانونية يعجز عنها أتباع الديانات أنفسهم، بل نطالب بمزيد من التسامح وحرية الرأي والتعبير، نريد بلداناً متحضرة تنجب العشرات من أحمد ديدات، لكنه استوعب ثقافة الرأي والرأي الآخر، مما سمح له بالتجول في معظم بلدان الأغلبية المسيحية ليموت على فراشه آمناً مطمئناً، دون الخوف على نفسه وأهله ممن ناظرهم وغلب بعضهم بالحجة مشككاً في صحة دينهم، فهل نستطيع نحن المسلمين تقبل الرأي والرأي الآخر بهذا المستوى الحضاري، أم أن الفجوة الحضارية تؤكد أننا لم نتجاوز غريزة القطيع و(شسع كليب) في حرب البسوس، والإنسان الحديث يحاول تفكيك هذه البدائية لإخراجها من غيتوهاتها في أحياء أوروبا الخلفية، فرغم كتاب إدوارد سعيد الذي فضح (الاستشراق الأيديولوجي)، إلا أن كثيراً من المسلمين يؤكدون حقيقة الاستشراق وضرورته من خلال واقعهم الاجتماعي الممعن في (الاستغراب الدوغمائي).

نقول حرية التعبير لأن كثيراً مما يغفل عنه أصحاب الديانات أن فرض احترام المقدسات الدينية في كل ملة سيؤدي مثلاً إلى حرب طائفية بين المسلمين والهندوس ما لم يمتنع المسلمون عن أكل لحم البقر مراعاة لمقدسات مليار هندوسي!؟!!، أو إلى منع تداول المصحف الشريف في جميع أنحاء دول الغالبية المسيحية (2 مليار مسيحي حول العالم) بحجة تسفيه المعتقدات ومعاداة السامية لوجود آيات لا يستوعب اليهود والمسيحيون دلالاتها التاريخية ومعناها الذي وردت في سياقه هذه الآيات!؟!!.

نقول حرية التعبير لأن العقل الأصولي (المسلم مثلاً) قد يرى في العقيدة المسيحية تعديا صريحا وقبيحا لمعنى التوحيد عنده فيدافع عن (جناب الله) باستباحة دم كل من ينسب لله زوجة وولدا، وعليها قس كل الحماقات التي تدافع عما هو أقل من وصف الله بهذه الصفات، رغم أن (الله) سبحانه وتعالى قد أوضح كل هذه المعتقدات غير المقبولة في الإسلام لدى اليهود والنصارى، ورغم ذلك أباح للمسلم الزواج من الكتابية رغم أنها وخولة أبنائه منها يعتقدون في الله ما سبق ذكره، فهل يوجد قبل ألف وأربعمائة سنة دين بهذا المستوى من التسامح وقبول التعددية في المعتقد أكثر من الإسلام، الذي تحول مع الهزائم الحضارية لمعتنقيه إلى أصولية عمياء تعجز عن استيعاب الأبعاد الحضارية التي أتى بها (الإسلام الأصيل) وليس (الإسلام الأصولي).

فعلها الخميني منذ فتواه عام 1989 بهدر دم سلمان رشدي الذي لم ولن تكون روايته شيئاً مذكوراً لولا هذه الفتوى (السياسية) وصولاً إلى عام 2006 في الاصطفاف (الإخواني السروري) مع حسن نصرالله باعتباره حامي حمى الثغر الإسلامي ومحرر فلسطين، ثم فعلوها مع الدنمارك ثم اصطنعوا حملة للدفاع عن النبي الكريم، متناسين أن أوروبا كانت في مواقفها مع الإسلام أكثر شرفاً ومصداقية مع مبادئها من مواقف (الديك المؤذن) وأتباعه، فلم تأمر فرنسا بإغلاق المسجد الكبير في باريس أو تفكر بتحويله إلى كنيسة أو متحف بل ما زالت تراه رمزاً لتعدديتها الدينية ونواة صلبة لحماية مبادئ الثورة الفرنسية، التي ترتب عليها احتواء ثاني ديانة داخل فرنسا (الإسلام)، بامتيازات (إنسانية) تجعل المسلم الفرنسي ذي الأصول العربية لا يفكر ـــ رغم كل ما قيل ـــ أن يعود إلى بلاده العربية الإسلامية، ولكن (الأصولية الدينية) من خلال اليمين المتطرف في المسيحية والإسلام تريد إعادة عقارب الساعة إلى عصر الحروب الصليبية.

أخيراً كونوا مسلمين مؤمنين يعرفون أن (القتل) أعظم عند الله من هدم الكعبة، ولا تكونوا إسلاميين متعصبين يقتلون البشر ويتحرجون من قتل البعوض عند الإحرام، فإن عجزتم عن استيعاب تراث ابن رشد وابن خلدون، فكونوا على الأقل يابانيين أو صينيين أو حتى روسيين في مقاومة الاستشراق، لكن لا تكونوا ممن (يسهل استحماقهم/‏استغفالهم) يحركهم صياح (الديك المؤذن) فلا هو نزل بقدميه عن الروث ولا هو توقف عن الأذان، والذين يسهل........ استغفالهم يقيمون الصلاة والموالد على صياحه.