مجمل اهتمام الساحة الفكرية الإسلامية، والعربية تحديدًا بالهندي المودودي، دون الهندي وحيد الدين خان، في حاجة الإسلام السياسي إلى تنظير فكري يدعم ممارساته، ويبرر لجوءه إلى العنف والإرهاب.

ووحيد الدين خان انتقد كتابات المودودي، في عام 1961، وكتب كتاب «التفسير الخاطئ»، وكتاب «مَن نحن؟»، ولخصهما في كتاب «التفسير السياسي للدين»، ردًا على فكر المودودي والجماعة الإسلامية، على أن الإسلام حركة سلام عالمية، ودين دعوة وهداية وتعايش، وليس دين سلطة وحكومة، حيث يرى وحيد الدين خان أن الاغتيالات والتفجيرات والسعي إلى السلطة، والعمل السري، بهدف تأسيس الحكم الإلهي خلف حكومة يقودها «إسلاميون»، ليست هي طريق الله، وخُلُق الداعية لا يعرف الشغب والتطاول والاستعلاء على البشر، ومع ذلك يقحم الإسلام السياسي اسم الدعوة في سياق ممارساته، ليظهر في النهاية منتج آخر تمامًا، لا علاقة له بهوية الأمة الداعية، التي تسعى إلى إقامة الدين في الضمائر والأسر والمجتمعات.

وهذه الهوية القتالية القائمة على الصراع ألزمت القيادات الفكرية لحركات الإسلام السياسي وتابعيهم بمحاربة العالم، على خلفية الهدف الأكبر وهو أن يصبح «المسلمون» حكام الأمم، تحت عناوين استعادة حكم الخلافة.

ويرى وحيد الدين خان أن الإسلام السياسي، أدى إلى «قومنة الإسلام»، ونقل الدين من حالته التي تعبئ أنفس معتنقيه بالمسؤولية الأخلاقية نحو البشرية، إلى نِحلة مذهبية قومية، تتصارع مع الآخرين بغرض السيطرة والهيمنة على الكون، مما يخلق في نفسية معتنقيه نزعات الاستعلاء والغطرسة.

ولد وحيد الدين خان عام 1925، في مدينة أعظم كره بالهند، وما زال على قيد الحياة، وتخرج في جامعة الإصلاح العربية الإسلامية، وعمل في لجنة التآلف التابعة للجماعة الإسلامية بالهند لسنوات معدودة، ثم أمضى ثلاث سنوات كباحث في المجمع الإسلامي العلمي التابع لندوة العلماء بلكنؤ، ثم شغل رئيس تحرير الجمعية الأسبوعية في دلهي (1967) لمدة سبع سنوات حتى أغلقت المجلة بأمر السلطات.

وفي عام 1970 أسس المركز الإسلامي في نيودلهي، والذي عمل على إصدار مجلة «الرسالة» بالأوردية عام 1976، ثم بالإنجليزية عام 1984والهندية عام 1990، وذلك بشكل مستقل، وهي تصدر حتى الآن شهريًا.

ووحيد خان كان عضوًا في الجماعة الإسلامية، التابعة للمودودي، والتي هي بمثابة جماعة الإخوان في شبه القارة الهندية، وتشكل مع جماعة الإخوان أكبر جماعتين إسلاميتين في العالم، وقد تأثر وحيد الدين بالمودودي وبأبي الحسن الندوي كثيرًا، غير أنه ترك الجماعة، بل ووقف ضد فكرها، حيث تبنى المنهج السلمي تمامًا، وبسبب هذا واجه بعض العنت والتهميش من قبل الجماعة الإسلامية.

وكتاب: (الفكر الإسلامي) يعتبر من أحدث ما ترجم لوحيد الدين خان، ولم يكتب له مقدمة توضح أي شيء متعلق بالكتاب أو ظروف تأليفه، على غير العادة في منهجية تأليف الكتب، بل دخل إلى صلب الموضوع مباشرة، وهو فيما يبدو مجموعة من المقالات التي كتبت في التسعينيات من القرن الماضي، وجمعت تحت عنوان: «الفكر الإسلامي»، وهي ألصق بمسألة الاجتهاد، ولو جعل العنوان: «الاجتهاد وإعادة بناء الفكر الإسلامي» لانطبق العنوان على المحتوى تمامًا.

يضع الكتاب قضية إعادة بناء الفكر الإسلامي، كأبرز قضية تواجه المسلمين في العصر الحديث، ويرى أنه لا يمكن البدء باجتهاد صحيح من أجل إحياء الأمة، وإحياء العمل الإسلامي دون العمل على إعادة بناء الفكر الإسلامي، والذي يعني عند وحيد الدين خان، تحديد أحوال العصر بدقة، وإيضاح موقف الإسلام منها سلبًا أو إيجابًا.

ويرى خان أن التفسير الثوري والسياسي للإسلام، مصطنع ومتشدد، وفتنة في الوقت ذاته، حيث يرى أن الغاية الحقيقية للإسلام هي إصلاح الباطن لا تبديل الظاهر، ولم تكن السلطة هدفه الرئيس، لأن الهدف الأسمى له هو الغلبة الفكرية لا الغلبة السياسية.

وحينما تكلم الكتاب عن الاجتهاد، ضرب وحيد الدين خان مثالًا على الاجتهاد المطلق في مسألة حرمة الخروج على الحاكم، والتي لا يوجد لها نظير في التاريخ قبل حادثة كربلاء، وفند بعض النصوص التي تحث على مسألة الإنكار على الحاكم بشكل جيد، ثم ضرب مثالًا على الاجتهاد المقيد، بشرعية الاستعانة بالكفار أو موالاة غير المسلمين.

وتكلم وحيد الدين خان عن تنظيم الأدبيات الإسلامية وضرب عليها مثالًا مجموعة من الكتب التي تكلمت عن مسألة سب الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يرى أن من الحكمة إعادة تنظيمها بناء على اختلاف مواقع القوى اليوم، ففي زمن مضى كان الإسلام قوة عظمى ويستطيع فرض مثل هذه الأدبيات، واليوم ذهبت القوة من يد المسلمين إلى غيرهم.

ومن الأفكار الممتازة في الكتاب أنه أعطى للقومية وفقًا للجغرافيا بعدًا دينيًا أو تعليلًا دينيًا، وأشار إلى أن مسألة اتحاد المسلمين روحيًا أكثر من كافٍ في مسألة توحد الدول والشعوب الإسلامية، أي عكس فكرة الخلافة.

وأشار في الكتاب إلى رأيه في العلمانية، بشكل يوحي بانفتاح كبير ورؤية واسعة الأفق، ورأى أنها مناسبة جدًا للدولة المدنية، وهي توفر في الوقت ذاته انتشارًا للإسلام، وحرية أكبر للدعوة إليه.

أخيرًا، مثل هذه الأفكار التي طرحها وحيد خان في كتابه، من المحتمل أن تكون وجهًا جديدًا وسبيلًا للجماعات الإرهابية والمتطرفة «الإخوانية والسرورية»، لإعادة الانتشار، وكسب الساحة والأتباع من جديد، وذلك بعد تغيير جلدها، ومهادنتها، ورضوخها لإجراءات مكافحة فكرها في الظاهر، بأسماء جديدة أو حتى من دون أسماء.