الشباب هم نبض المجتمعات وواجهة الدول والأمم، من خلال حراكهم وتفاعلهم مع المحيط الذي حواليهم تظهر ملامح المجتمع الإنسانية وتبرز معالمها. كثيرا ما نتساءل نحن أهل علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، هل هناك شخصية واضحة ومحددة لنا نحن -السعوديين- ولشبابنا بالذات؟ هل نملك حياة تميزنا وتظهرنا كما يجب؟.

كلنا يذكر كيف غرقنا لعقود من الزمن في مصطلح الخصوصية السعودية والمجتمع المحافظ، وكيف تم أدلجة الكثير من المفاهيم والأفكار، وتغييب كثير من الحقائق عن الوعي، وإدخال أفراد المجتمع في قوالب تخدم أجندات معينة، وتظلم كثيرين بلا منطق عقل ولا فكر مستنير.

مجتمعنا كعادته.. يتحمل الكثير، ويرضى بما هو عليه وهو على يقين أن الخير قادم متى كنا على قلب رجل واحد، ومتى كان كل شيء وفق انضباطية مجتمعية وتنفيذا لقانون دولة.

ما نؤمن به نحن كشعب أننا وشبابنا نفخر بصدق أننا تحت قيادة جل اهتمامها رفعة شعبها، ومنجزات دولتها وسمو إنجازاتها.. والاستثمار بكل ألوانه وأشكاله في صناعة مواطن قادر على الإنجاز والرقي بنفسه ومجتمعه.

قيادة تحملت كل شيء لتختصر علينا التعب وتمنحنا أجمل حياة، قيادة منحتنا المنهج لنتعلم ونعمل ونشارك في البناء، قيادة تؤمن بالعلم والمعرفة لتصنع منها أجمل تنمية.

المتأمل في المشهد العالمي يرى بوضوح كيف أسهمت التغيرات والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتطور التقني المبهر في كثير من بلدان العالم إلى حد كبير، في إرباك وعي الشباب بمسؤولياته تجاه نفسه ونحو وطنه، وبدلاً من أن يصرف الشاب انتباهه إلى اكتشاف قدراته واستثمار إمكاناته، وتفجير طاقاته لخدمة ذاته وخدمة وطنه، وبانشغاله بمعرفة واقعه وما يحيط به من مخاطر وتحديات تهدد أمنه وأمن وطنه، انشغل بما دون ذلك مما له كبير الأثر في تهميش اهتماماته وتعدد انتماءاته وولاءاته، وغير ذلك ما قد يشكل خطرا على سلامة نموه وصحته وأمنه بما لا يفيده في خدمة ذاته والمشاركة في خدمة وطنه.

جاءت ثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي لتعمق الهوة بين الشباب وبين وعيهم بذواتهم التي يفترض أن تكون بؤرة اهتمامهم بما حولهم من شؤون أوطانهم وأممهم، بل إن بعض المجتمعات وصل به الأمر في الحالات المتطرفة في تورطها بممارسات مضادة لما يتوقعه منه مجتمعه، كالإهمال وعدم الانتظام والتواكل والعنف والعدوان.

لذا وجب علينا كأفراد ومؤسسات ذات صلة الاهتمام والعناية بوعي الشباب السعودي - بالذات - بما يمكنه من فهم ما يحيط به والحذر بوعي من أمواج خطرة أصبحت تهدد شواطئ المجتمعات الآمنة، باسم التغير السلبي الذي يدخل من باب الثورات الرقمية التي تعتبر سلاحا ذي حدين.علينا أن نساعد شبابنا على إدراك قدراته وإمكاناته، وحُسن الاستثمار لكوامنه وضبط ذاته، بكل ما يُسهم في زيادة استشعاره لمسؤولياته تجاه نفسه ووطنه، ليشارك مشاركة فاعلة مع أبناء وطنه في تطوير وتنمية الذات، وبناء وحماية الوطن مما يدفع عجلة التغير الإيجابي مقابل إيقاف سلبيات التغير.

ولن يتحقق ذلك إلا بوعي تام بما لدى هؤلاء الشباب من قدرات ومواهب وإمكانات، والعمل على استثمارها، باستشعارهم لمسؤولياتهم نحو وطنهم مُدركين واجباتهم نحوه وواعين بما يحيط به من مخاطر وتهديدات، وما يواجهه من تحديات تدفعهم لمضاعفة العطاء لمزيد من العمل والأداء.

الوعي بالذات شخصيًا ومجتمعيًا يزيد من استشعار الشباب لمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه غيره ممن حوله، بما في ذلك البيئة التي يعيش فيها والوطن الذي ينتمي له (أشخاص وثقافة ونُظم وإمكانات ومخاطر وتحديات)، وهذا الإدراك المسؤول لن يتم إلا من خلال الوعي العالي والتام بحتمية التغير والفائدة التي تعود على المجتمع والوطن، من خلاله ومن وعيه وإيمانه بالتغير، يجب أن يؤمن بأن التغير الإيجابي الذي نعيشه الآن، والذي تترتب عليه متغيرات جذرية في كثير من الأمور التي لم نعتد عليها من قبل، لثقافة مجتمعية كانت سائدة وصالحة لزمانها، يجب ألا تقلل من امتناننا لما قبل، والفخر به، لأننا نعيش في دولة لم ينحن ظهر شموخها في أي مرحلة من مراحلها منذ أسسها الملك عبد العزيز رحمه الله.

لكن المرحلة الحالية تتطلب منا تغيرا يجعلنا نواكب متطلبات العلو من غير مساس بالثوابت التي لا تنازل عنها من القيادة والشعب.. وهذا ما يجب أن يعمل عليه شبابنا الذين هم أبطال المرحلة الحالية وصناعها، ليساعدوا فئات المجتمع المختلفة لاستيعاب هذا التغير، والمساهمة في تنمية المدارك والعقول لتقبله، والعمل على إنجاحه من خلال التطوير والابتكار، والعمل بجد من أجل الوقوف على أرض ثابتة وسط خارطة الكرة الأرضية التي تعيش مرحلة تغير شامل، يجب أن نعرف كيف نتعامل معه بمرونة ووعي وفطنة، لنماء وطن يستحق العمل بجد من أجله، وجودة حياة محلية وعالمية تليق بنا.