إرهاب معولم تحت اسم الجهاد ونصرة الإسلام، تسانده كتابات وتحركات شعبية تؤزها أغراض سياسية مشرعنة للعنف تحت غطاء ديني، حولت الموت إلى سلعة إسلاموية رائجة في سوق التبادل بين العالم الإسلامي والغرب، ووجدت لها بيئة خصبة في أوروبا، خصوصًا أنّ مسلميها يمتحون من مخيال يصوّر لهم أنهم جزء لا يتجزأ من معركة عالمية بين الإسلام والغرب بفضل تصدر الإخوان المسلمين المشهد الإسلامي في أوروبا، وإتاحة الفرصة لهم من قبل الحكومات هناك، الأمر الذي أسهم في إحداث تحوّلات في عقائد المسلمين الغربيين نحو تبنّيهم أيديولوجيا إسلاموية عنيفة.

ومع تطور واستحداث أدوات جديدة لقراءة الإرهاب في عوالمه المختلفة شرقًا وغربًا وفي مداراته المتعدّية الواقعية منها والافتراضية، إلا أنها ظلت أدوات عاجزة عن القضاء المبرم على الإرهاب والتطرف، فظاهرة تحول الإرهاب إلى أيديولوجيا سائلة مفتتة ومبثوثة عبر مستويات متعددة في وسائل التواصل الاجتماعي، أو في أرض الواقع أنتج عقيدة قتالية عنيفة تعمل على توفير معنى جديد لقطاعات كبيرة من الشباب الأوروبي المسلم.

ولا يغيب عن الذهن أبدًا في هذا الصدد، الدور الأوروبي في مساندة جماعات الإسلام السياسي، وكيف كانت بدايات ذلك في الدعم لحسن البنا من قبل الإنجليز، والتفاوض المباشر معه لتمكينه السياسي فيما بعد الانتداب، ثم احتضان سعيد رمضان في عام 1954، والذي أسس مركزًا إسلاميًا شكَّل رقمًا صعبًا في نشر التطرف في أرجاء أوروبا كافة، وسعيد رمضان هو غارس البذرة الأولى للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما لا يغيب عن الذهن كذلك التدفق الهائل من الإخوانيين على الولايات المتحدة في مطلع الستينيات، حينما سمحت بالهجرة إليها والإقامة فيها، وكيف مكنت لهم من فتح العدد الكاثر من الجمعيات والمراكز الإسلامية التي كانت ستشكل أقوى لوبي في أمريكا لو كان الأمر في يد من يهمه أمر المسلمين والإسلام، ولكن الإخوان احتفظوا بالمواقف والضغط حتى تحين مصلحتهم، وقد كان.

اليوم لا تجرم أوروبا بدولها، ولا الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، بل وأبعد من ذلك ربما عادت بعض القوة للجماعة الإرهابية مع عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض.

لن أستعرض التاريخ الناعم بين الغرب والإخوان وهو كبير وواسع، بل سأنتقل إلى نقطة مهمة حول مفهوم التطرف والإرهاب من المنظور الغربي، حيث إنه إلى لحظة كتابة هذا المقال لا يوجد أي اتفاق على تعريف موحد لمفهوم التطرف، وهو أمر ناجم عن عدم وجود تعريف مشترك للإرهاب أصلًا، الأمر الذي دفع صناع القرار الغربي إلى استخدام مصطلح «التطرف» على نطاق واسع، زاحم نطاق استخدام مصطلح ومفهوم الإرهاب، وتكمن صعوبة إيجاد تعريف عالمي مشترك للتطرف والإرهاب، في مسألة تحديد ماهية التطرف، ومن الذي يعتبر متطرفًا؟ والتي تعتمد على النقطة المرجعية التي يعتمدها الباحث أو السياسي في بحثه، وهذا أمر متغير، كما أن المفهوم الغربي لثنائية التطرف والإرهاب يعتمد على مسألة: أن ليس كل متطرف، هو بالضرورة منخرط بالإرهاب لفرض أجندته، إذ يركز بعضهم على الترويج للقضية أكثر من تركيزه على تدمير أو قتل أولئك المعارضين لها.

وما لجأ له الباحثون من سنوات قليلة، من عملية إدخال مصطلح (التطرف العنيف)، لوضع جسر موصل بين التطرف والإرهاب، هو من وجهة نظري، إضافة غير موفقة، لتفتيت مواجهة التطرف إلى أجزاء يجرم بعضها، وبعضها يسعها الرأي المختلف الذي لا يثرب على معتنقه، حيث يرتكز التمييز بين شكلي التطرف: التطرف العنيف، وغير العنيف، على أن هناك أفرادًا يمارسون تدينهم بطريقة متشددة دون اعتناقِ العنف، وهناك أفراد يؤمنون بالعنف، ويمارسونه، ومن هنا أقترح أن يتم التعامل مع التطرف على أنه كتلة واحدة بلا تقسيم، وأنه باعث رئيس، ومحرض كبير على الإرهاب، ويمكن أن يكون في كثير من الحالات إرهابًا بحد ذاته.

من زاوية أخرى، فإن دراسة التطرف تعتمد بشكلٍ كبير على دراسة الأشخاص الذين تم اعتقالهم فقط، وهذا يعني أن البحوث التي أُجريت على الأفراد المتطرفين جرت في مرحلة متأخرة للغاية من عملية تطرفهم، لأنهم إذا لم يخرقوا القانون فلن يتم القبض عليهم بالإرهاب أو التطرف العنيف، فإنهم لن يكونوا متاحين لعمليات البحث، التي تحتاج إلى الوصول إلى الأفراد في كل مرحلة من مراحل عملية التطرف، وهذا ما يجعل عملية بناء نظرية متماسكة لمفهوم التطرف والإرهاب، في ظل تجزئة مفهوم التطرف وعدم الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب، شديدة الصعوبة، كما أن روايات المتطرفين عن أنفسهم بأثر رجعي، حتى لو خضعت لأفضل عمليات وطرق التحليل الممكنة، عادة ما تكون متحيزة؛ لأن الحالة الذهنية للمتطرف أو الإرهابي، مع منظومة معتقداتهم ستُغير حتمًا من طريقة تذكرهم للأحداث والدوافع التي ساقتهم لهذا الانحراف، وهو ما سيعطي نتيجة مضللة على طول الخط.

وعلى كلٍ، فإن التعريف المشترك للإرهاب والتطرف، المجمع عليه في المجتمع الدولي والعلمي، سيوفر مساعدة قيّمة من أجل معالجة هذه الظاهرة ومكافحتها، وعدم وجود هذا الإجماع يعطي مؤشرًا عميقًا على مدى تعقيد هذه القضية.

أخيرًا، الجماعات الإرهابية المتطرفة تعيد هيكلة تنظيماتها بشكل كامل لمواجهة إستراتيجيات مكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف الناجعة، وتستغل ثغرات الإستراتيجيات أو التكتيكات غير الفاعلة أو الفاشلة، وفي مقدمتها الإخفاق في تحديد توصيف دقيق جامع مانع، لتلك الممارسات.