كل واحد منا له مهام محددة في الحياة، تتنوع بتنوع المواقف والأحداث، وما تفرضه الظروف في كثير من الأحيان.

في تحديدنا لأولوياتنا وما يتعلق بها من مهام، هناك شيء خاص مع الله، وهنا شيء مع الوطن وهناك شيء مع محيطنا الأصغر، وهكذا تتعدد الأدوار والمساحات في بحثنا عن أنفسنا، الذي يجعلنا لا نهدأ حتى نجدها في المكان الذي يليق بنا وبها.

ومتى ما عرف الإنسان واجباته وحقوقه، عرف ما يهمه أكثر وما يهمه بشكل أقل، لأن دائرة الاهتمام تضيق وتتسع، حسب المفهوم والمعنى والغاية في الحياة، وهنا نبدأ السيرعلى الطريق الصحيح.

لذا من الخطأ أن نهتم بكل شيء، وكأن الكون لن يصلح إلا بنا، وفي المقابل نظلم أنفسنا إذا ابتعدنا عن المهم، وانشغلنا بالأقل أهمية، فنجد أننا خسرنا كل الأطراف حينها.

الاهتمام هنا لا أقصد به الأفراد فقط، فالمؤسسات لها من هذا أيضا نصيب، والمتتبع لحراك العمل في بعضها، يجد أن قيادة بعض المؤسسات ظلمت نفسها، بعدم تحديد المهام الصحيحة لها، والاهتمام بها كما يجب، فأضاعت نفسها وأضاعت من يرتبط بها من قريب أو من بعيد.

لو كل فرد أو مؤسسة، وضع نصب عينيه خارطة طريق، لما يلزمه وما لا يلزمه في عامه هذا أو في الخمس سنوات القادمة، لاستطعنا ترجمة الأحلام الخاصة والعامة لواقع، ولتمكنا من نقل الأفكار من حيز الأوراق للميدان والمجتمع.

لو راقبنا المشهد الفردي أو المؤسسي، لوجدنا تباينا واضحا في قدرة البعض على معرفة الواقع، ورسم خارطة الوصول بناء على الأهم فالمهم.

نحن نعيش عصر الرؤية، والرؤية منحتنا المهم والأهم، وطلبت من الجميع أن يتخذ منها منهجا لخطط العمل ومساراته، وأن نصل من خلالها للمبتغى والمرتجى منا، دون تقصير أو إهمال.

ما زلت على يقين بأن الكثير يعرف عن الرؤية، كعنوان وإطار لفلسفة عامة، دون سبر أغوارها والاهتمام بفقراتها، لذا نجد بعض الأخطاء تتكرر هنا وهناك، ونجد بعض الخطوات تتباعد عن المضمار الصحيح لها.

ليت مجلس الشورى الجديد يقدم برنامج عمل لسنواته الأربع القادمة مع فريقه الجديد، ويخبرنا عن الأشياء التي سيهتم بها، ويحرص عليها لتكون في مصب اهتمامه وحرصه، لنعرف منهجيته ونتفاعل معه وفق رؤاه المعلنة.

لابد لكل مسؤول جديد نال ثقة القيادة بتعيينه، أن يقدم لنا لائحة اهتمامات قطاعه، ليكون مسؤولا عن خط سير أهدافها، ونكون معه على نفس الخط لننجح جميعا.

جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية الممتدة، لابد لها أن تقوم بدورها كما يجب، وتخبر المجتمعات حولها بتدرجات الأهمية، لأن القدرات التي تتمتع بها هي خير من يبصر المستقبل، ويرسم خطط الحاضر بعقلانية واحترافية.

لا بد لكل قطاع عام أو خاص، وعبر منصاته أن يترجم كلماته الإنشائية في أدبيات الإدارة، من حيث الرسالة والرؤية والهدف، إلى واقع يهمنا ونهتم به، ونتفاعل معه ونرى أثره واقعا، مواكبا للجديد ومتفاعلا مع المتغيرات.

حتى في أسرنا الصغيرة ومع أنفسنا، لا بد لنا من تحديد للمهم والأهم، لكيلا نتشتت وتضيع الخطى بلا هداية، ونتأخر في بلوغ المقاصد والغايات.

بنظرة لمواقع التواصل عندنا والمنصات الإعلامية الخاصة، نجد أننا نغرق في دوائر ومتاهات، تجعلنا بلا بوصلة واضحة وبلا مسار محدد، فنعيش تحت تبعية البعض لأفراد ومجموعات يستسلمون لهم، ويمنحونهم القدرة على تسييرنا لما يريدون، وما بعض المؤثرين، والذين لا نعرف كيف أصبحوا كذلك، إلا عينة للخلل البين والواضح في تعاطينا مع الأحداث والمتغيرات، من خلال ضيق أفكارهم وسطحية اهتماماتهم، والتي أضرتنا أكثر مما أفادتنا.

مقتنعة تماماً بأننا منذ توحيد هذه البلاد الشامخة، وقيادتنا الرشيدة تعي تماماً كيف تحدد مستويات الأهمية وتدرجاتها، وكيف تعمل على تحقيق الأهداف بأوقاتها المناسبة. ومقتنعة أيضاً بأن مرور ٦ سنوات على عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، أعيد فيه ترتيب الأولويات حسب أهميتها، التي تناسب متغيرات العصر، مما ساهم في تسريع الأمور وتوحيد الجهود، للوصول بمجتمعنا للعالمية، دون إخلال بالثوابت التي نشأت هذه البلاد عليها، وما قيادتنا قمةَ العشرين خلال هذا العام، إلا دلالة على الوعي الذي تتمتع به قيادتنا، ومن خلاله تحدد ما الأهم الذي يجب أن ننشغل به عما لا يهم، لكي نحافظ على مكانتنا وتأثيرنا الإقليمي والدولي في العالم.

ومن هذه القيادة يجب أن نتعلم مهارة تحديد الأولويات، أفرادا ومؤسسات، لنصل إلى أهدافنا كوطن ومجتمع وأفراد، بأسرع الطرق وأفضلها.