من منا لا يرتدي قناعاً؟ سؤال نطرحه كثيراً، وحقيقة الأمر أن لكل منا في هذه الحياة الكثير من الأقنعة، والتي تتراوح فيما بينها، ففيها الجميل والقبيح وفيها الموحش والأقبح.

ولا يعني هذا أن من يرتدي القناع إنسان مخادع أو متلون كالأفعى، فقد يكون هذا القناع يخفي وراءه جمالا لا حد له وحنانا منقطع النظير. أثناء طفولتي كانت أمي- حفظها الله- ترتدي قناعاً تخفي به ما تشعر به من ألم أو تعب وهي تهتم بنا في كل شؤون حياتنا، وكان هذا القناع الجميل يحمل ابتسامتها العذبة وحنانها الذي لا حد له، وكذلك والدي- رحمه الله- لطالما غطى وجهه الحبيب بقناع يخفي به إرهاق الحياة وخوفه الدائم علينا مما تخفيه الأيام، حتى لا يعكر صفو طفولتنا.

وأنا أيضاً دائماً أرتدي قناعي حتى لا يشعر أحد ممن يحبهم قلبي بأي خوف أو قلق علي، وفي الحياة الكثير ممن عرفنا تعلو وجوههم أقنعة منها ما نشعر معه بالطمأنينة، ومنها من يملؤوننا بالألم.

ليس عيباً ولا خداعاً أن نخفي تعابير وجوهنا حين تكون متخمة بالتعب مليئة بالمعاناة، فلكل إنسان معاناته الخاصة التي لا تعني الآخرين ولا يريد كشفها لهم.

ولكن ما يؤلم حقاً أن يكون من أحببناهم في حياتنا وعددناهم أصدقاء، أظهروا لنا ما تحت القناع، فرأينا اللامبالاة وقلة الاهتمام والاستهانة بالمشاعر وكأننا لم نعرفهم حقاً، ولم توثق أواصرنا متاعب الحياة ومصاعب العمل.

ولطالما حضرتني مقولة توفيق الحكيم: «المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ»، رحمك الله، أيها الحكيم فما قلته يمثل الواقع المرير. «عندما تنتهي المصالح يصبح الحلو مالحا» لست أدري كم عدد المرات التي سمعت فيها هذه العبارة ولكننا وبكل أسف لا نتعلم الدرس فنظل نتجرع هذا المالح طوال الوقت.