قد نسمع مصطلح «حلّ النزاعات» يتردد كثيرا في نشرات الأخبار المرئية والمسموعة، أو قد نقرأ عنه في المقالات التحليلية لسياسات متبعة من قبل بعض الدول التي يدور حولها التركيز بعد حدث ما، ولكن لأبسطه هنا يمكن أن نقول: إن هذا المصطلح يعكس محاولات الناس لحل النزاعات عن طريق التواصل والتفاوض. وسأحاول اليوم مساعدة القراء على اكتشاف طرق للتغلب على حالات النزاع في حياتنا اليومية، والسبب الرئيسي للتخفيف من التوتر الذي عادة ما يصحبها.

بادئَ ذي بدء، إذا كان الشخص يفكر في أي نزاع لديه في حياته فهو عادة ما يفكر في شخص يريد أن يخوض معه معركة ما، وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر أحد أكبر مصادر التوتر في حياتنا. والنزاع قد يحدث في أي مكان، في المنزل، في مكان العمل، ويمكن أن يحدث مع أي أحد، مع الأصدقاء، مع الأهل، مع الرئيس في العمل أو الزملاء فيه أو العملاء، مع نظراء في التخصص أو المجال، أو حتى متطفلين يريدون أن يقتحموا عليك هدوء حياتك، ليس لأنه لديهم ما يضيفونه أو يكتشفونه، ولكن فقط لأنهم يرون أنفسهم أنهم قادرون على تنغيص حياتك، وبهذا يظنون أنهم قد انتصروا!

المهم أن هنالك الكثير من العلاقات التي يمكن أن تدخلنا في نزاع، ومن ثم في ضغوط نفسية، السؤال هنا: كيف يمكن لنا أن نتعامل معها؟

هنالك مِن الناس مَن لا يميل إلى النزاع، وما يفكر به الفرد من هؤلاء عادة: «سأستسلم، لا يهمني سوى أن أكون مسالما وأنهي الموقف قبل أن يبدأ»!

جميل، لكن لا يمكنه أن يفعل ذلك طوال حياته، في النهاية يمكن أن يأتي وقت ينفجر فيه.

وهناك أناس يريدون الهروب من النزاعات، لا يريدون التعامل معها، لا يريدون الذهاب إلى المكتب في اليوم التالي، لأنه يتعين عليهم مواجهة رئيسهم، وقد يكون الهروب من نزاع أسري، فتراهم خائفين حتى من العودة إلى منازلهم، لأنه قد يكون هناك نزاع في انتظارهم، وعليه فأي شيء يساعد على التجنب يصبح هو القرار الصائب.

بالمقابل هناك أناس يحبون المواجهات، بل ينتظرونها وكأنها الهواء الذي يستنشقونه «سأواجه الأمر، ويجب أن أفوز»!

يجب أن يعرف الآخر وجهة نظري، بل يجب أن يتقبلها ويرضخ، وهذا أيضا غير صحي ولا منتج لأنه يخلق التباعد والتنافر والعداوات والتنافس الشرس.

نحن بحاجة إلى معرفة كيف نتعامل بالفعل مع النزاعات في حياتنا اليومية بطريقة تكون مفيدة لنا، وما سأقدمه هو كالعادة من قراءات أو خبرات مررت بها.

نحن بحاجة إلى فهم أن النزاعات هي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، هناك دائمًا أفكار أو عناصر متضاربة مثل الليل والنهار، الخير والشر، الصواب والخطأ، حتى الاتجاهات... إلخ. في كيان الإنسان هناك عنصر تعارض، لدينا ميول مختلفة داخل أنفسنا، ما يعني أنه قد يكون لدينا نزاع داخل أنفسنا، وليس فقط مع أشخاص آخرين، «هل أريد هذا الشيء، أم ذاك الشيء؟»، ويقال في المثل الشعبي «عين على الشحمة وعين على اللحمة»، فقد يحاور الفرد ذاته «أريد أن أملأ صحني بكل أنواع الطعام على المائدة، ولكني أتبع نظامًا غذائيًا»، نزاع، من يكسب؟ حسب الذئب الذي قمت بتغذيته في داخلك، تُرى هل كان وجودنا بالكامل قد تم بناؤه من أجل الدخول في النزاعات، حيث لا يوجد شخصان متماثلان، في الرأي أو الخلفية الفكرية؟ نعم هنالك خطوط عامة وعريضة قد تحتوي الكل، ولكن عندما ندخل في التفاصيل تظهر دائما الاختلافات، وبالتالي من المحتم أن تكون هناك نزاعات.

السؤال الآن هو «كيف نخرج منها»؟ المفتاح هنا هو أنه بمجرد أن نفهم أنه من الطبيعي أن نكون في نزاعات، لا نعود نهابها ونبدأ نتعامل معها بهدوء، ونحول تركيزنا إلى مهارات التحاور والإصغاء والتشاور من أجل المشاركة في إيجاد الحل.

دعونا نلقِ نظرة على هذين المثالين الافتراضيين لمساعدتنا على فهم المزيد والتصرف بحكمة:

الأول: النزاع بين مفكرين كبيرين يتشاجران دائما، كل منهما ينظر إلى الحياة من وجهة نظر مختلفة، وبالتالي فإن شرح القواعد أو القوانين وفقًا لاستنتاجاتهما لا يكون على وفاق أو اتساق، ولكن النقاشات تستمر وتثمر بسبب وجود عنصر هام: الاحترام الذي يكنه كل منهما للآخر.

الثاني: هناك نوع آخر ينتهي عادة بخيبات الأمل إن لم يكن بالكوارث، لماذا؟ لانعدام الاحترام وتقدير قيمة الآخر والاعتداد بالرأي وعدم قبول أن تكون هنالك وجهات نظر أخرى! وإذا كنت تعلم أن الطرف الآخر لا يريد التحدث أو إذا كنت أنت أيضا لا تريد التحدث فلن يكون هناك أي حل للنزاع.

هنا نصل إلى أهم نقطة انطلاق لأي نوع من النزاعات في حياتنا، ألا وهي أنه علينا الدخول في هذا النوع من التواصل بقليل من التواضع فلم لا نقول لأنفسنا «ربما يكون لدى الجانب الآخر ما قد أتعلم منه؟»

المعنى: «قد أكون على حق، ولكن قد تكون هناك إضافة من الآخر لم أتنبه لها من قبل».

أما الخطوة الثانية فهي الاستعداد والتقبل للدخول في الحوار، مناقشة الخلاف، ولذا، إذا جئت بتواضع (هذا أولا)، وكنت على استعداد للاستماع (هذا ثانيا)، أصبحت بالفعل في منتصف الطريق، بعد ذلك عليك أن تتعلم أو تتدرب على كيفية الإصغاء الفعّال: كلما ذكر الأول نقطة ما، كررها: «دعني أتأكد من أنني أفهمك بوضوح، ما تقوله أنت هو: 1، 2، 3، وأنا أتفق معك في واحد واثنين، ولكن قد أجادلك في رقم ثلاثة». بمعنى آخر حينما تكرر عبارات الشخص الذي تتجادل معه، فأنت أولا تُظهر له أنك تصغي إليه وتتقبل رأيه، وبعدما تأكدت من أنك استقبلت رأيه بشكل صحيح، وبمجرد أن يُدرَك ذلك الأمر، فإنه يخلق أرضية مثمرة للحوار، وتصل بعدها إلى النقطة الأخيرة، وهي مناقشة الموضوع أو العبارات التي يدور النزاع حولها: «حسنًا، لقد حددنا الآن ما نتجادل في شأنه وأصغى كل منا للآخر، فماذا تقترح أن يكون الحل؟ أريد حقًا أن أسمع رأيك، سأخبرك بما أقترحه، وربما يمكننا تبادل الأفكار معًا»، إذا تمكنت من الوصول إلى هذه النقطة، حيث تتواصلان أولاً مع بعضكما البعض، ثم تناقشان الحل معا، تكونان قد وصلتما إلى النمو والتطور من النزاع، وبهذا نكون قد حوّلنا ما يقلقنا إلى ما يثرينا، يصقلنا ويساعدنا على النهوض، وهذا ليس بسبب التعارض، بل بسبب أننا توصلنا معا إلى أفكار تقاربية في الحل، ومعا أصبحنا أفضل.