يعرف مزعل صالح آل معروف الصيعري، البالغ من العمر 70عاما، عند أهل البادية والجهات الحكومية، التي عمل بها بـ «GPS» البشري، نتيجة معرفته الدقيقة بالأماكن والمواقع عن ظهر قلب، إلى جانب أسرار الصحراء وخفاياها، التي لا يعرفها إلا من عاش فيها، وسار في دروبها الوعرة والقاسية، حيث عاش وتربى في البادية، وعرف صحراء شرورة شبراً شبراً، وكذلك الربع الخالي، وبسهولة يحدد الجهات والمسافة التي تفصله عن أقرب موقع مأهول، حتى أنه يحدد بعد كل منها بالكيلومترات، من خلال النجوم ونوع الرمال.

تحديد المواقع

قال الصيعري: بدأت في مجال عملي كدليل لدى بلدية شرورة، قبل تأسيس طريق نجران شرورة وكنت دليل المسافرين إلى نجران آنذاك، ثم انتقلت إلى قيادة حرس الحدود، وتم اعتمادي من قبل المديرية العامة لحرس الحدود، كدليل معتمد في الربع الخالي عام 1397 في مجال عملي كدليل، وأصبح يعتمد عليّ في تحديد المواقع في الربع الخالي، ومعرفتي المكان بحاجة إلى نوع من الخبرة في التربة والأشجار والحشائش، فهناك زهرة وعبل وعروق الشجر، وكنت أهتدي بالنجوم لمعرفتي بالطرق في الليل، وتحديد المسافات في النهار، وأضاف أنه عند صدور الأمر السامي الكريم، بنقل إشراف نطاق محافظة الخرخير إلى إمارة نجران، تمت الاستعانة بي من قبل جميع الإدارت الحكومية، المدنية والعسكرية، لإيصالهم إلى الخرخير قبل سفلتة طريق شرورة - الخرخير، كما ساهمت في قص أثر السيارات والحيوانات، والقبض على المهربين، وتحديد أوصاف متسللي الحدود والتائهين في البر، من خلال طبعة القدم على الرمال.

قصص ومواقف

روى الصيعري بعض القصص والمواقف خلال فترة عمله قائلا: تعطل قائد قطاع حرس الحدود في شرورة صامد النصار الشراري، يرحمه الله، في الصحراء بعد200 كم من شرورة، حيث تواصلت معه عبر جهاز اللاسلكي، وسألته عن نوع نباتات الرعي من حوله، بعد مرور ساعات وصلت إليه وأصلحنا عطل السيارة وعدنا إلى شرورة.

وأضاف: كنت دائمًا أرافق قادة حرس الحدود في جولاتهم على المراكز الأمنية الحدودية، ومنها جولة لي كانت مع الفريق ابن هلال، قبل ترسيم الحدود، استمرت لمدة 25 يوما في طرق وعرة جدا، ابتدت من شرورة وانتهت بالحدود العمانية والإماراتية، ثم العودة إلى الرياض، كما يروي أنه كانت دوريات حرس الحدود في مطاردة لقاطعي الطرق، ثم تاهوا في الربع الخالي وتعطلت سيارتهم بسبب نفاد الوقود، وتم الاتصال بهم ووصفو لي الأرض والنباتات، وذهبت إليهم ليلا حتى وصلتهم، وتمت إعادتهم إلى القطاع.

ترسيم الحدود

أضاف الصيعري: كما تمت الاستعانة بي في تحديد المواقع، إبان ترسيم الحدود بين السعودية واليمن، وكنت مندوبا معتمدا لتحديد المواقع الآمنة للاجتماعات الرسمية، ووضع العلامات الحدودية بين الدولتين السعودية واليمن، مشيرا إلى مرافقته للأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير آنذاك، في مقناص له في الربع الخالي، وكان دليله في تلك الرحلة والعديد من الشخصيات البارزة والهامة.

كما تحدث نجله سلمان بن مزعل الصيعري، المتقاعد من حرس الحدود قائلًا: إننا فخورون بما حققه والدنا من إنجازات هامة، حيث كان مساندًا لكافة الجهات، وهو أول من فتح الطرق في الأماكن النائية بصحراء شرورة، حيث أعاد الكثير من التائهين، وساهم بحفظ الأرواح بتحديده مواقعهم قبيل وجود الأجهزة الحديثة، وإعادتهم إلى ذويهم، ودائما تأتي إخباريات عن وجود تائهين ليلا.

قصاصو الأثر

قال المؤرخ الدكتور علي مبارك العوبثاني: إن قصاص الأثر البشري معروف عند البعض من سكان الصحاري، في صحراء الربع الخالي والدهناء في شبه الجزيرة العربية والصحراء الكبرى بالمغرب العربي، والصحاري الرملية والأراضي الطينية غير الحصوية، وعند العرب عرف «بنو مرة» في الرُّبْعِ الخالي بقص الأثر البشري، وأيضا البعض من آل معروف الصيعر، وغيرهم من أبناء البادية ممن لديهم إلمام بقص الأثر، ويعرفون أثر الغريب والهارب والسارق، وأثر من حولهم ومتابعته، وأثر الأغنام وأنواعها والإبل وأنواعها، وغيرها من الأنعام والحشرات. ولكن «بني مرة» بالذات وقلة من الأشخاص الآخرين من أبناء البادية وغيرهم في أماكن مختلفة هم الأجدر فى هذا.

الربع الخالي

الرُّبْع الْخَالِي حوض جغرافي منخفض وواسع، ممتلئ بمليارات الأطنان من التُرب الرملية المنقولة المشكِّلة للكثبان، وتمتد مساحته في الدول الأربع (السعودية، الإمارات، عمان، واليمن)، ويحده من الشمال هضبة نجد، ومن الغرب هضبتا نجران وعسير، ومن الجنوب هضاب اليمن وعمان، ومن الشرق مرتفعات عمان وسهل الإمارات، ويبلغ أقصى طول له في الأراضي السعودية نحو 1285كم، ويبلغ أقصى عرض له نحو 600كم، لذا يُوصف الرُّبْعِ الْخَالِي كأكبر صحراء متصلة في العالم، والرُّبْع الْخَالِي يتوزع على ثلاث مناطق، فلمنطقة الرياض الجزء الشمالي الغربي، ويمثل أقل من 10% بينما منطقة نجران يتبعها الجزء الجنوبي الغربي، ويمثل نحو 25%، بينما المنطقة الشرقية لها نصيب الأسد من الرُّبْعِ الْخَالِي.