بصفتي أستاذا جامعياً، وأختلط بالطلاب والشباب كثيرا، ولدي برامج حوارية مع بعض الشباب في بعض مناطق المملكة، فإني أتيح الفرصة للحوار معهم، وأقول لهم اعرضوا ما لديكم من إشكالات، وأنا أعلم أنه لا يلزم أن مَنْ عَرَض إشكالاً معيناً، يكون بالضرورة يعتقد مضمونه، كلا، بل قد يكون سمعه في قنوات فضائية، أو حسابات تويترية، أوغيرهما، وأَحَبَ أن يعرف الجواب، وإلا فأنتم أهل عقيدة صحيحة، وتمتثلون الوصية النبوية الواردة في صحيح البخاري وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».

فوردت عليّ منهم أسئلة كثيرة، وقد أجبت عليها، ورغبة في الفائدة، فإني سأذكر منها هنا ما تسمح به مساحة المقال سؤالاً وجوابا، وربما في مقالات قادمة نكمل الباقي إن شاء الله.

قال أحدهم: يقال إن بيان كبار العلماء بشأن جماعة الإخوان إنما صدر بناء على رغبة الدولة.

فأجبته بقولي:

أولا: هذا الذي يقال لا دليل عليه، وإنما هو مجرد دعوى، ومن كان مدعياً فعليه البَيِّنة والإثبات، وإلا فلا قيمة لدعواه، وفي الحديث «البيِّنةُ على المدّعي».

ثانيا: لو سلمنا جدلا بصحة ما يُقال، وأن الدولة ترغب من كبار العلماء معرفة حكم هذه الجماعة، فما الضير في ذلك؟

وهكذا لو أن مستفتين من المواطنين طلبوا من كبار العلماء، معرفة حكم هذه الجماعة أو غيرها من الجماعات والتيارات، فأصدر العلماء بيانا يوضح الجواب الشرعي، هل في ذلك محذور؟

ثم اعلم أيها الأخ الكريم: أنه ليس المهم معرفة كون البيان صدر جواباً على سؤال من أي جهة، أو ابتداءً من العلماء لقصد النصح والبيان، وإنما المهم: هل البيان يوافق الكتاب والسنة في حكمه على حزب الإخوان أم لا؟ هذا الذي يجب التركيز عليه.

فإذا كان البيان يوافق الكتاب والسنة، كما هو الواقع بفضل الله، لما تضمنه من أدلة وحقائق فالحمد لله، وإن كان لدى المعترض على البيان دليل من الكتاب والسنة على مخالفته للحق، فليأت به، أما التشويش بأشياء خارجة عما تضمنه البيان، فهو حيلة العاجز، ولاحجة له فيها، وإنما هي شنشنة نعرفها من أخزم، فالبيان بحمد الله مليء بالأدلة من الكتاب والسنة على لزوم السنة والجماعة، والحذر من البدعة والضلالة، ونحن نعلم أن حزب الإخوان، كما شهد بذلك مؤسسه حسن البنا، حزب سياسي، وصفه بقوله إنه: «حقيقة صوفية، ودعوة سياسية» وعليه: فما جاء في بيان كبار العلماء، أن حزب الإخوان لا يمثل منهج الإسلام، هو وصف صادق، وحقيقة لا شك فيها، ثم هذا الحزب منذ نشأ لم ينتج عنه إلا الشرور والفتن، فهو يستغل الدين لتجييش الناس وإثارتهم لمصادمة الحكام، وزعزعة أمن المواطنين في بلادهم التي يسكنونها، يفعلون ذلك من أجل أن ينفذوا من خلال تلك الفتن، للوصول إلى الحكم، وإذا وصلوا إلى الحكم نبذوا دين الله وراءهم ظهريا، كما هو معلوم، فهم يدعون للخروج والفوضى في بلاد المسلمين، وما ثورات ما سمي الربيع العربي منَّا ببعيد، وقد كان منهج قادتهم الذي يُدَّرسونه لأتباعهم هو العنف وشق عصا الطاعة، يقول أحدهم وهو سيد قطب «إنه لا مندوحة للمسلمين من الانقلاب الشامل في بلادهم، التي يسكنون فيها لتغيير نظم الحكم فيها»، فهذا ماذا يُسمى؟ أليس إجراما وفسادا وخروجا؟ هل لهذا علاقة بمنهج الإسلام؟ فهذا يدلك على أن بيان العلماء وصف دقيق مطابق للواقع، ومستند في الحكم عليهم بالحجة والبرهان.

ثالثا: هذه فتاوى كبار العلماء وفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء منذ تأسيسها إلى اليوم، لن تجد فيها فتوى واحدة لا تستند على أدلة وقواعد شرعية.

رابعا: قيادة المملكة منذ تأسيسها إلى اليوم هم أنصار الشريعة، وهم الذين جعلوا الشريعة حاكمةً على جميع أنظمة الدولة، فكيف يُظَن بهم أنهم يقولون للعلماء أفتوا بالتحريم، أو الإباحة أو الوجوب؟ حاشاهم من ذلك، وحاشا العلماء أن يفتوا بغير ما يدينون الله به، لكن أهل الأهواء يفترون الكذب.

فقال السائل: هذا صحيح، وجواب مقنع، وقد قرأت هذه الإيرادات في بعض الحسابات، والآن أستطيع أن أرد عليها.

فقال سائل آخر:

لكنهم يقولون إن إسرائيل أيدت بيان كبار العلماء؟

فقلت: هذا لا يُغيّر من الحكم شيئا، أيّدت إسرائيل أم خالفت، الحق يُعرَف بالدليل من الكتاب والسنة، وليس بموافقة رغبات الناس أو مخالفتها.

فما دام بيان كبار العلماء عن حزب الإخوان مؤيدا بالأدلة الشرعية، والقواعد المرعية، فلا يهمنا من يوافقه، ومن يُخالفه.

ومعلوم أن سبب نزول قوله تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْك... الآية» هو أن منافقاً يدعي الإسلام تخاصم مع يهودي، فكان المنافق يرغب التحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى التحاكم إلى المسلمين، لكونهم لا يقبلون الرشوة.

فهل كون اليهودي يدعو إلى التحاكم إلى المسلمين، ويفرح بحكمهم، فيه ما يسيء إلى المسلمين؟

وهل للمسلمين أن يتركوا الحق لكون اليهودي يدعو لحكمهم؟

هذا لا يقوله عاقل، لكن الهوى يُعمي ويُصم.

فقال سائل ثالث: صدر من ابن باز فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بأن الإخوان أقرب الجماعات إلى الحق؟

فقلت: هذا كان قديماً عندما كانوا يزورون العلماء، ويُظهرون لهم أنهم ينصرون الإسلام، وينشرون التوحيد، لكن لما تبين لابن باز وغيره من العلماء كذبهم، أفتى ابن باز أنهم من الاثنتين وسبعين فرقة الهالكة، وهذا آخر ما صدر عن الشيخ ابن باز، وذلك قبل وفاته رحمه الله بسنتين، واستدلالهم بقولٍ قديم لابن باز هو للتشويش، وإلا فهم لا يصدرون عن أقواله، بل هم أكثر من آذاه، ولو كانوا يصدرون عن قوله، لأخذوا كلامه الأخير عن هذه الجماعة، فهو المعتمَد، أما هذه الطريقة الانتقائية فغير مُستَغرَبة من أهل الأهواء.

وأيضا: العبرة بالدليل، والدليل يدل على انحراف حزب الإخوان عن الحق، فليس لنا أن نغضب من أجل التحذير من حزب محدَث، يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».