يُصادف التاسع عشر من نوفمبر من كل عام، اليوم العالمي للرجل، نظرا للدور الحيوي الذي يلعبه الرجل في صناعة الحياة وتكريم وتعزيز مُساهمته التنموية في المُجتمع لحياة لا تتوقف. في المُقابل هناك قضايا تخص الرجل في حاجة ماسة للتركيز عليها من باب الإسهام في تنمية وتعزيز ما يُصنف منها على أنه إيجابي والتصدي لما أُشكل منها من خلال العلاج والوقاية. سنام الجميع هو الارتقاء بصحة الرجل الجسدية والنفسية والاجتماعية ووقايته من الأمراض، من خلال تبنيه نمطا حياتيا سلوكيا صحيا، تُشير الدراسات لتفشي العديد من الأمراض بين عالم الرجال أكثر من النساء، ولعل الانتحار من أكثر تلك المُعضلات الصحية التي يُعاني منها الرجل، يتبع ذلك تعاطي المُخدرات والعنف، السؤال هنا لماذا ينتحر الرجال أكثر ويسيئون استخدام المُخدرات والمؤثرات العقلية ويتصفون بالعنف؟ الجميع يحتاج إجابة. لذا من مصادر تفعيل دور الرجل في يومه العالمي صحته الجسدية والنفسية والاجتماعية، ليكن أكثر فعالية ويتمتع بجودة حياة يستحقها.

استودع الخالق جل في علاه الرجل دماغا بقرص صلب «Hardware» بمساحة لا حدود لها وترك له خيار القرص الناعم «Software» لتعبئته بما يحتاج من المعارف والمهارات لكي يُؤدي دوره في الحياة ورسالته الخالدة، من إشكاليات الرجل الحقيقية في يومه العالمي تخبطه في ملء «قرصه الناعم» بما قد لا يفيده، لذا ظهرت عليه سطحية وضآلة فكره ومحدوديته بمُخرجات لا تليق بإنسانيته، فأصبح إرهابيا، يقتل ويُدمر ويعيث في الأرض الفساد ولربما خدع وتظاهر وتلون، لتُسند له مهام حياتية قيادية ليس بكفء لها، نظرا لقدرته في توظيف محتوى «قرصه الناعم» الخاوي من المعنى في الإقناع والتأثير والذي قاد نفسه ومن يتبعه لعالم الدمار الشامل، هنا سؤال من نوع آخر، ماذا بالإمكان عمله للرجل في يومه العالمي لإعادة ملء «قرصه الناعم» بالمُفيد؟ هنا يحتاج الرجل لفكر مُختلف يرشده لجودة حياة يستحقها.

تكمن قوة الرجل الحقيقية وفعاليته المؤثرة في إدراك ذاته بشكل صحيح وإدراك عالمه الخارجي لكي يتصرف بمُقتضى الحال، ليكن إنسانا ذا فعالية ولكن عندما تكون ذاته هشة «Fragile» فإنه لا يستطيع تحقيقها وفقا لما يحتاج هو، وبالتالي يكون غير فعال، والذي يقوده لسلوكيات تعويضية شديدة الخطورة عليه، تتمثل في جلب الأنظار وإنفاق جهود جبارة كان بالإمكان استثمارها في مواطن أكثر نفعا، ليمتد الأثر السيئ لمن هو حوله ويُشاركه حياته، هنا مشكلة من نوع مُختلف والسؤال ما زال قائما، ماذا بالإمكان عمله أيها الرجل لتكون فعالا حقيقيا، وفقا لدورك الحيوي في إعمار الأرض وصيانة الحياة وليس دورا زائفا بعقد نقص تؤذيك ومن حولك؟ هنا أيضا حاجة لبناء نفسي سليم لذاتك أيه الرجل لتنعم بجودة حياة تستحقها.

الحياة أيها الرجل ليست ملكا لك ولست اللاعب الوحيد في حلبتها هناك من يُشارك، لذا توقع نشأة الصراع بينك وبين من حولك كطبيعة بشرية، لن تستطيع إخضاع الجميع لما تحب وترى وتود، وليس من حقك هذه الخاصية، لذا حروب ضروس سوف تظهر، فماذا أنت صانع؟ تكمن الإجابة هنا في امتلاكك مهارات التواصل والتعايش والتقبل والتعاطي والحوار والتسامح والتصالح والمناورة إلخ، لكي تحقق جودة حياة أنت تتطلع لها ولا شك أنك تستحق، مثل هذا لن يطرق الباب، والسماء لا تُمطر مهارات وإنما هي مُقومات حياة عليك السعي لاكتسابها وتعلمها من مصادرها لكي تعيش بسلام ووئام.

أيها الرجل في يومك العالمي لا تشغل نفسك بالمرأة وشأنها ودورها الحياتي وقضاياها وماذا يجب عليها فعله وما لا يجب، كون وضعك التشريحي والوظيفي والسلوكي مُختلف عنها، لك وصف وظيفي حياتي مُختلف، لديك أنت كرجل وهي كامرأة دور «شراكي» هام في الحياة، هي الأم والأخت والزوجة والقريبة والزميلة والعضو الفعال في نسيج الحياة الاجتماعي والتشاركي في شتى جوانب الحياة إلخ، هي منك وأنت لها، اعملوا سوية يدا بيد في ضوء ما ذكر، مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الحيوي لك ولها، فالقضية ليست سيادة وسيطرة وتحكم، إنما تشارك، لجودة حياة أنت وهي تستحقانها.

في النهاية أيها الرجل وفي يومك العالمي، لا تتوقف ولا تتعطل ولا تكن كالماء الآسن، عليك بتطوير نفسك والارتقاء بذاتك في شتى مجالات الحياة، فلقد رأيت أن أتعس الرجال من وضع نفسه في صندوق مُغلق وكبل نفسه بفكر محدود وتقوقع في ذات بحجم غرفته التي يعيش فيها، وأنزل سقف سمائه ورفع قاع أرضه، لتضيق عليه الحياة بما رحبت، أنت أيها الرجل في يومك العالمي، ارسم لك حياة مُختلفة من اللحظة تُحقق لك جودة حياة تستحقها، يقول الرب العظيم في كتابه الكريم «قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» وفضل الله ورحمته لا حدود لهما وأنت مشمول بهما، لذا اسعد وافرح واصنع لك حياة في يومك العالمي، تجنب الضعف والهوان والتشكي والتبرم والتسخط وقبول واقع لا يليق بك، الرجولة ليست بحجم الشنب ولا ببناء العضلات، ولا من خلال المُهايطات والمُزايدات والأشعار، وإنما من خلال نهج فكري يحلق بك في آفاق الحياة، انطلق وكل عام وأنت أيها الرجل بخير وسعادة وصحة وعافية ونمو وازدهار.