لا أستطيع أن أصف مدى فخري وأنا أرى بلادي تترأس قمة العشرين لهذه الدورة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، فلقد رأيت كيف أن الوطن تحول إلى خلية نحل، بدأت تنبض بالحياة منذ إعلان تولي السعودية استضافة هذا الحدث المهم على أراضيها: تشكيل مجموعات وتحديد المواضيع والمسؤوليات، والمضي في تحريك ممثلي جميع شرائح الوطن من أجل تلاقح القدرات والمهارات والعقول، للخروج بأفضل صورة تمثلنا ليس عالميا بل على مستوى الوطن، حتى يلامس المواطن العادي ما يجري من تحركات محلية وعالمية، تصب كلها في مصلحته ومستقبل أبنائه.

بالطبع أعتبر أنني أكرر المعلومات التالية بما أن إعلامنا قد خصص جل بثه اليومي للتعريف وإبراز جميع المشاركين من أرض الوطن، مع إضافة جولات سياحية في أرجاء الوطن الجميل، ولكن لمن بقي ممن لم تصلهم الرسائل الإعلامية اليومية أذكر بعض ما وجدت عن الحدث: تم إنشاء مجموعة العشرين في صيف 1999، لمعالجة الأزمات التي كان يعانيها في ذلك الوقت العديد من الاقتصادات الناشئة، واتخذت شكل اجتماعات بين وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية. منتدى حقيقي للتعاون الاقتصادي والمالي، كان الهدف منه عقد اجتماعات لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من البلدان الصناعية والدول الناشئة مرة واحدة في السنة، من أجل تسهيل التنسيق الاقتصادي الدولي، وإيجاد حلول للأزمات والصعوبات الاقتصادية.

في 2008 اجتمع قادة دول مجموعة العشرين، لأول مرة، على أعلى مستوى، لمحاولة توفير استجابة منسقة للأزمة المالية العالمية، وتمخض اللقاء عن موافقة رؤساء الدول والحكومات على خطة عمل عالمية النطاق، تهدف إلى منع انهيار النظام المالي الدولي، وإعادة إطلاق الاقتصاد العالمي. وفي 2018 احتفلت مجموعة العشرين بالعام العاشر على وجودها كقمة لرؤساء الدول، فلقد كان نجاحًا كبيرًا، حيث لعبت المجموعة دورًا أساسيًا في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية حين ذاك، ومنذ ذلك الحين أصبحت المنتدى الرائد للحوكمة الاقتصادية العالمية، حيث تتم مناقشة القضايا الاقتصادية والمالية، وكذلك القضايا العالمية الرئيسية مثل مكافحة الإرهاب، والرعاية الصحية العالمية، ومكافحة تغير المناخ، والهجرة، وتنفيذ خطة التنمية المستدامة لـ2030.

وللإشراف على عمل مجموعات العمل المختلفة لمجموعة العشرين، يتم تمثيل رؤساء الدول بمبعوثين يُعرفون باسم «الشيرباس» (Sherpas). ولقد ظهرت هذه المفردة كثيرا قبل تعريف المنسقين لمجموعات التواصل الممثلين لدولتنا على قنواتنا الإعلامية الرسمية، ولكي أوضح لمن هم أمثالي ممن لم تمر عليهم هذه المفردة من قبل وجدت التالي عنها:

«الشيرباس» هي جماعة نيبالية، مهمتها حماية جبال «الهيمالايا»، وقيادة المتسلقين للوصول إلى قمم الجبل، ومن هنا استخدم المصطلح للإشارة إلى الدور الذي يقوم به مبعوث الحكومات «شيربا» (Sherpa) في تهيئة القمة النهائية والتحضير لها، وغالبا ما يكون لدى كل دولة مشاركة في قمة دولية فريق من «الشيرباس» متخصص في الشؤون الخارجية والمالية.

يبدأ دور الفريق عندما يدعو قائد الدولة المستضيفة للقمة ممثلي الدول الأعضاء في القمة، للمشاركة في وضع جدول أعمال القمة والاقتراحات والقضايا الواجب طرحها، إلى جانب حضور الاجتماعات والجلسات مع نظرائه في الدول الأعضاء المشاركة، والتحضير للمفاوضات وإعداد بيانات القمة.

وقبل انعقاد القمة، يرفع «الشيربا» التقارير لرئيس الدولة التي توضح الوضع القائم للمفاوضات والاتفاقيات والمواضيع المطروحة.

تجتمع هذه المجموعات عدة مرات في السنة من أجل إعداد البيان الذي سيصادق عليه رؤساء الدول خلال القمة، وينقسم عمل مجموعة العشرين إلى مسارين: مسار «المالية» الذي يتناول القضايا المالية والاقتصادية، بما في ذلك سياسات النمو، والعمل على الهيكل المالي الدولي، والاستثمار في البنية التحتية، والتنظيم المالي، والشمول المالي، والضرائب الدولية.

أما المسار الثاني فهو «الشيربا» الذي يحتوي على الممثلين الشخصيين لرؤساء الدول الذين يشرفون على عمل المتخصصين في القضايا العالمية من خلال تنسيق عمل مجموعات التواصل التي يمثل كل منها موضوعا مثل التنمية، ومكافحة الفساد، وسلامة الغذاء... إلخ، وهذه الموضوعات ليست دائمة: كل رئاسة تختار إما الحفاظ عليها أو إنشاء مواضيع جديدة، بناءً على احتياجات رئاستها.

ولعدة سنوات، قامت مجموعة العشرين ببناء حوار دائم مع المجتمع المدني من خلال مجموعات المشاركة، التي تضم كلا من المنظمات غير الحكومية وأصحاب العمل وممثلي النقابات العمالية، وحاليا تضم قمة العشرين ثماني مجموعات تواصل:

الأعمال (B20)، والمجتمع المدني (C20)، والعمل (L20)، والعلوم (S20)، ومراكز الفكر (T20)، والنساء (W20)، والشباب (Y20)، والمجتمع الحضري (U20).

وقد ترأس وزير الدولة، الدكتور فهد المبارك، اجتماعات «الشيربا» للمملكة العربية السعودية، وكون فرقا في قمة المهنية والحيوية، التى كان لمشاركاتها في اللقاءات الدولية أكبر أثر ليس فقط في إظهار ما تملكه المملكة من ثروات فكرية من الموارد البشرية بل أيضا عكست فعالية عالية خلال التنفيذ والمشاركة المثمرة في توليد المقترحات والأفكار ذات التأثير القوي.

إن تنظيم قمة مجموعة العشرين لم يكن بمنزلة تحدٍ وشرف للمملكة فحسب بل هو أيضا بالتأكيد يعكس الثقة العالمية بقدراتنا، والتقدير لتاريخ مسيرة دولة مؤثرة على الساحتين الإقليمية والعالمية، وفي الوقت نفسه، فإن ذلك يبعث رسالة قوية إلى المجتمع الدولي، مفادها أن بلادنا لم تضع فقط رؤية حديثة بل بدأت فعلا تخطو بثقة ومهنية إلى الأهداف التي وضعتها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل حقًا على النقلة النوعية في كيفية تعامل المملكة العربية السعودية مع دورها الوطني، في ظل اقتصاد عالمي جديد، وتحديات ليست بالسهلة أو الحديثة، بل تتواتر وتتضاعف كل يوم عن الذي قبله.

قمة مجموعة العشرين كانت الفرصة المثالية لإظهار التزامنا بهذا التغيير وبهذه الاستعدادات للمواجهة، وهو ما جعل العالم ينظر إلينا من خلال عدسة جديدة، قمنا نحن بصنعها وصياغة إطارها، تلمس تصميمنا على إثبات أننا مستعدون لليوم، ونعمل على أن نكون مستعدين للغد أيضا، وليس شعار قمة العشرين لهذا العام (اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع) سوى مبادرة حيوية، لتشكيل عالم مترابط، حيث يعكس أهمية اتصال الجميع، للتمكن من حل أكبر تحديات العالم.

ومن خلال مجهود فرق «الشيربا»، تحركت المجموعات المدنية، لتقدم نبض الشعوب وبلورة رؤاها في توصيات قدمت للقادة.

نتمنى بعد هذا النجاح في التنفيذ أن يستمر كل هذا الاندفاع والحيوية في متابعة تنفيذ القرارات، لأن المحك الأصلي هو تحديد المؤشرات، ومن ثم تفعيلها من أجل تحقيق النتائج المرجوة.