كنت تحدثت عن وصف بيان هيئة كبار العلماء الإخوانَ بالإرهاب، وقلت: إنِّي على يقينٍ من أنَّ مرادهم به: الإجرام المحرم شرعاً، ثم تحدَّثت عن وجود ذلك عند الجماعة تنظيراً وتطبيقاً.

واليوم أمضي في هذا السياق لأقول: بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية نَعُدُّ من أعظم الإرهاب والإجرام وأخطره: كل ما يتعلق بإرادة زعزعة الأمن في بلادنا، واستهداف كيان المملكة العربية السعودية بالقول أو الفعل أو تأييد من لهم ضلع في العمل على استهداف كياننا ومكتسباتنا.

رفض الاتفاقات الدولية

إذا رجعنا لجماعة الإخوان تاريخاً وواقعاً نجد أنَّ زعزعة الدولة والاستيلاء عليها كان موجوداً في أدبيات تأسيسها، وانظر في ذلك قول حسن البنا: «ونريد بعد ذلك أن نضمَّ إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرَّقته السياسة الغربيَّة، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدوليَّة التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزَّقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها، فمصر وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضمِّ أجزائه بعضها إلى بعض».

التآمر على السعودية

لا شك أن البنا كتب هذا الكلام بعد عام 1348هـ عام تأسيس الجماعة، وفي ذلك الوقت كانت الحجاز التي يرمي إلى تحريرها تحت حكم الملك عبدالعزيز، رحمه الله، ولم تطأها قدم محتل منذ تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرَّفيق الأعلى، فأي تحريرٍ كان يريد للحجاز؟ وأي تطبيق للشريعة كان يريد للحجاز أعظم مما كان مطبقاً فيها من القضاء والقيام بالدين في كل مناحي الحياة؟ لكن نزعته في عدم الاعتراف بالدُوَل القطرية جعلته لا يُفَرِّق بين دولة محتلة ودولة مستقلة.

وهذه النزعة ضد السعودية يبدو أن حسن البنا أسَّسها في أتباعه وأورثهم إياها، فطول تاريخ السعودية لم يُعرف عنهم إلا في القليل النادر الثناء على السعودية أو حكامها، بل العكس هو الصحيح، فكثيراً ما كانت كتاباتهم وخطاباتهم في التشكيك في الدولة وقادتها، بل والتآمر المكشوف عليها، وأخص ما بعد عام 1399هـ، وهو العام الذي قامت فيه الثورة الإيرانية، والتي قاموا معها بالعظيم من الدعاية والتزكية حتى وصفوا الخميني بأنه خليفة المسلمين.

مواقفهم مع الثورة الإيرانية

حين تستعرض مؤلفاتهم ومذكرات قادتهم لا تجد فيها أي ثناء على السعودية منذ قيامها؛ ككتابات حسن البنا، والهضيبي، وعبدالقادر عودة، والتلمساني، وعبدالرحمن خليفة، ومحمود عبدالحليم، ويوسف ندا، ويوسف القرضاوي وغيرهم، كلهم تخلو كتبهم من الثناء على السعودية؛ بل في بعضها نقدٌ وكذبٌ؛ ككتاب يوسف ندا، والقرضاوي، وعبدالرحمن خليفة، على الرغم من أمرين:

الأول: مواقف السعودية معهم، فإنهم كلما اضطهدوا في بلد من البلدان -في مصر والعراق وليبيا وسورية- لم يجدوا لهم مأوى سوى السعودية.

الآخر: أنَّ حسن البنا في إحدى رسائله قد ذكر ماذا يريد من مشروعه، فذكر الدولة التي تعمل بالكتاب والسنة، وتقيم الفضائل، وتربي الأجيال على كتاب الله وسنة رسوله، قال: «ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد، كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر من قبل، ونحن لهذا لا نعترف بأيِّ نظامٍ حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه»، ولا يخفى أنَّ هذه الصفات لم تكن في دولة من دول العالم كما هي في السعودية، لاسيَّما في الزمن الذي عاصره البنَّا وهو عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وبقيت المملكة عليه بشكل ليس في غيرها من بلاد العالم، والإخوان الذين وفدوا إليها يعلمون ذلك حقَّ اليقين، وكانوا يرونها أفضل بلد يسكنون فيها ويربون أولادهم في أجوائها تربية دينية، ومع ذلك لم يكن منهم أي إشادة بها، وعدم إشادتهم مع غنى الدولة -ولله الحمد- عنها أقل ما يقال فيها إنها غمط الناس وبطر الحق؛ خاصة أنهم يحسنون المديح، بل هم خبراء في تدبيجه، وقد اتضح ذلك من ثنائهم ومواقفهم مع الثورة الإيرانية على الرغم من بعدهم عنها مذهبياً إلا أنهم حملوا راية الدعاية الكاذبة للتقريب، والتي كانوا هم فيها الفخ الذي نصبته إيران لعموم المسلمين.

ضد العراق وضد السعودية

على الرغم من معرفتهم عداء الخميني للسعودية ودعايته ضدَّها ونشره للدعوة إلى الانقلاب عليها مستهدفاً وجودها، لم يحركوا ساكنًا، بل كل ذلك تجاوزوه، وصرحت الجماعة في بيانها أثناء أزمة الرهائن بأن إيران هي النظام الإسلامي الوحيد، فإذا كان عدو السعودية هو النِّظام الإسلامي الوحيد في نظر الإخوان فأين تكون السعودية عندهم التي دستورها الكتاب والسنة، بينما ينص دستور إيران على أنها شيعية اثنا عشرية؟!

بل زعم الإخوان في بيانهم عند زيارتهم للخميني: أنَّ الثورة الإيرانية ليس مكانها إيران بل كل العالم الإسلامي، وأنَّ الله الذي نصر الخميني على الشاه سينصر كل خميني على شاهه، وأن رصيد ثورة إيران كل مسلم يقول لا إله إلا الله.

ولمَّا قامت الحرب العراقية الإيرانيَّة والتي وقفت السعودية فيها إلى جانب العراق لعلمها بحقيقة المشروع الخميني، وقف الإخوان مع الخميني ضدَّ العراق وضدَّ السعودية، بل وضد كل أهل السنة والجماعة، فأصدر التنظيم الدولي للإخوان بياناً يؤيدون فيه إيران ويطالبون أفراد الجيش العراقي بالقتال إلى جانب عدو بلادهم، الذي وصفوه بالإمام المسلم ضد صدام حسين الذي وصفوه بالبعثي الكافر!، وهذا البيان ليس من أفراد الإخوان بل من الاتحاد الدولي الذي يمثلهم في كل مكان.

إخوان سورية

ومن هنا فليس العجب أن تعادي السعودية الإخوان الذين يقفون مع عدوها، وليس العجب أن تفتي هيئة كبار العلماء بإرهاب الجماعة؛ بل العجب هو تأخير ذلك، وأيُّ إرهابٍ أكبر من تأييد الإرهابي الأكبر الخميني، والذي نصَّ في كتابه: «الحكومة الإسلامية» على أنَّ مشروعه إسقاط كل الحكومات الإسلامية؟!، ومن العدل أن نستثني هنا إخوان سورية فإنهم لم يقفوا مع الخميني؛ بل كانوا ضده، وكتب عالمهم الشيخ سعيد حوى رسالة يحذر فيها من الخميني بعنوان: «الخمينية.. شذوذ في العقائد، شذوذ في المواقف».

ومن العدل أيضًا أن ننبه إلى أنَّ الاتحاد الدولي قبل مساندته لإيران كلَّف لجنة من أساطين العلماء وصلت إلى أنه لا يمكن التقارب مع إيران سياسيًّا ولا عقائدياً؛ ولكن التقرير تمَّ إخفاؤه من قِبَل بعض القيادات الإخوانية، وهذا ما رواه مراقب الإخوان في سورية عدنان سعد الدين في مذكراته.

- أدبيات الجماعة تاريخيا من أقوال مؤسسها حسن البنا عام 1348هـ

- زعزعة الدولة والاستيلاء عليها

- عدم الاعتراف بالتقسيمات السياسية للأوطان

- رفض الاتفاقات الدولية

- بعد عام 1399هـ وصفوا الخميني بأنه خليفة المسلمين

ملامح تآمر الإخوان على السعودية

مطالبة البنا بتحرير الحجاز

لم يُعرف عنهم الثناء على السعودية أو حكامها

كتاباتهم وخطاباتهم تشكك في الدولة وقادتها

الدعاية والتزكية للخميني بعد ثورته

وقوفهم مع الخميني ضد العراق وضد السعودية التي دعمت صدام

تأييدهم لصدام في غزوه الكويت وتهديده السعودية

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الرابعة

الحلقة الخامسة