انتهت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الرياض في عام استثنائي متأثر بجائحة كورونا، واستمعنا فيها لكلمة الملك سلمان بن عبد العزيز الافتتاحية لأعمال القمة التي سبقتها قمة أخرى في مارس لهذا العام، وعدد كبير من الاجتماعات وورش العمل لمجموعات التواصل المصاحبة، والتي أكد فيها - حفظه الله - على أن الهدف العام لهذه القمة هو اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، وأن من أهم أهدافه التفصيلية الحفاظ على كوكب الأرض.

جاء البيان الختامي لرؤساء دول مجموعة العشرين متفقا مع هذا الهدف المهم الذي اندرج تحته عدد من المبادرات والالتزامات والمؤشرات التي تسعى دول المجموعة لتحقيقها وتأمينها لبقية دول العالم منها:

الحد من التدهور البيئي وتدهور الأراضي وحماية الشعب المرجانية وبناء مستقبل أكثر استدامة للجميع وتبني الاقتصاد الدائري للكربون بعناصره الأربعة، وهو ما أكد عليه أيضا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في كلمة المملكة الختامية لقمة العشرين، أو في كلمة سموه التي سبقت القمة بعدة أيام وأشار فيها إلى أن هناك عددا من المبادرات البيئية التي ستُعلن أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين.

هذا الاهتمام بالبيئة الذي تكرر قبل وأثناء انعقاد قمة العشرين التي لها ثقل اقتصادي وتنموي عالمي لم ينشأ في السعودية حديثا، ولم يكن ردة فعل وليدة بعد الآثار الكارثية لجائحة كورونا على العالم، بل إنه من أحد أهم مقومات وأهداف رؤية المملكة 2030 الرئيسية منذ إعلانها عام 2016 وأُدرجت تحت محور المجتمع الحيوي الذي ينعم أفراده بنمط حياة صحي ومحيط بيئي إيجابي وجاذب، واعتبار الحفاظ على المقدرات الطبيعية وعلى البيئة واجبا دينيا ووطنيا وإنسانيا، ومسؤولية مستقبلية وضمانا لجودة الحياة المنشودة، فضلا عن الوضع البيئي المتدني الذي تعيشه المملكة في السنوات الأخيرة.

فمن خلال البيانات والإحصاءات العالمية تحتل المملكة المرتبة 86 في مؤشر الأداء البيئي عام 2017 من أصل 180 دولة، كما شهدت تدهورا بيئيا للغطاء النباتي والحياة الفطرية، وزيادة الملوثات مع تدن في الوعي البيئي، وانتشار الممارسات السلبية التي تهدد البيئة كالصيد الجائر الذي يقضي على 12 مليون طائر سنويا أغلبها من الطيور المهاجرة للمملكة، والرعي الذي يدهور قرابة 70% من المراعي، والاحتطاب المستنزف لما يقارب 120 ألف هكتار من الأشجار والشجيرات سنويا، بالإضافة لتزايد الانبعاثات السامة وضعف تدوير النفايات وغيرها من الممارسات التي تهدد سلامة البيئة المحلية وصحة الإنسان والتي أدى إليها ضعف الأنظمة السابقة التي تحافظ على البيئة، وقلة العقوبات الصارمة التي تردع التجاوزات، وضعف البرامج التوعوية التي تعنى بالتربية البيئية، وأهميتها من مختلف الجهات التعليمية وغير التعليمية، بالإضافة للتحديات الطبيعية والتغير المناخي الذي تواجهه المملكة كشح الأمطار وموجات الغبار. لهذا كان على الجهات المعنية إعداد استراتيجية بيئية شاملة، وتنفيذ سياسات وأنظمة وتشريعات لحماية البيئة واستدامتها من خلال عدة خطوات أهمها إعادة الهيكلة للنظام البيئي بإلغاء الهيئات القديمة التي كان منوطا بها حماية البيئة، وإنشاء خمسة مراكز جديدة لتحقيق هذه الاستراتيجية وهي:

المركز الوطني للالتزام البيئي، والمركز الوطني للأرصاد، والمركز الوطني للحياة الفطرية، والمركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والمركز الوطني لإدارة النفايات، إضافة إلى صندوق البيئة وجميعها تحت مظلة وزارة البيئة والمياه والزراعة.

ولن تستطيع هذه المراكز أن تؤدي مهامها كما يجب مع انخفاض الوعي البيئي وأهمية الحفاظ عليه خارج الإطار المؤسسي إلا من خلال وضع تشريعات بيئية صارمة تضمن إنفاذ هذه الاستراتيجيات البيئة الشاملة. لأجل هذا جاء الأمر السامي مطلع 1440 بالموافقة على تأسيس قوات خاصة بالأمن البيئي تتبع لوزارة الداخلية، وتعمل بالتنسيق مع الجهات الأمنية والبيئية الأخرى، ويسند لها إنفاذ الأنظمة التي تحقق الاستراتيجيات البيئية الوطنية. تقوم قوات الأمن البيئي بعدد من المهام الشاملة لإنفاذ الأنظمة البيئية، كالمراقبة الأمنية للمناطق الحضرية والمهمة للتنوع البيئي، وردع المخالفات البيئية من احتطاب ورعي جائر ورمي النفايات، وتحرير المخالفات والعقوبات اللازمة للمخالفين حسب الأنظمة واللوائح، كما تعمل على المشاركة في الحالات البيئية الطارئة وتلقي الشكاوى والبلاغات، فضلا عن الإسهام في إعداد الخطط والسياسات التي تساعد في الإنفاذ البيئي الفعال، وجمع وتوثيق البيانات والإحصاءات المتعلقة بمهام عملها ومشاركتها مع الجهات البيئية المعنية والعمل على نشر التوعية البيئية بالمشاركة في المناسبات البيئية الخاصة وإيضاح إدوار الأمن البيئي الفعالة. وكقوة أمنية بيئية حديثة فقد أنشأت وفق خطة انتشار عملية تبدأ بالتأسيس التي أشار لها ولي العهد في كلمته قبل انعقاد قمة العشرين، ثم مرحلة الانتشار الأولية لقوات الأمن البيئي التي بدأت فعليا منذ مطلع العام الجاري لضبط وحماية البيئة في المحميات الملكية السبعة. تليها مرحلة الانتشار النهائية التي تهدف لتغطية كافة المجالات البيئية في جميع أنحاء المملكة وتمتد حتى نهاية عام 2023. وذلك من خلال عدد من المراكز الإقليمية والميدانية التابعة للمركز الرئيسي في مدينة الرياض.

ومع حداثة عمر القوات الخاصة للأمن البيئي إلا أن فعالية الأداء التي قامت بها مؤخرا من ضبط بيئي وتحرير عقوبات ومنع المخالفات توضح أهميتها كجهة تدعم الوعي البيئي بالإضافة لإنفاذ التشريعات البيئية. فعدد المضبوطات وانخفاض عدد المخالفات في المناطق التي انتشرت فيها القوات يبعثان على التفاؤل بكفاءة هذه القطاع وينقلان للوعي العام أن هناك تشريعات بيئية ينبغي أن تُراعى، وأن زمن العبث والهدر البيئي بأنواعه انتهى إما بوجود وعي ذاتي يتبناه الأفراد والمجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة أو من خلال ضابط أمني ينفذ هذه العناية بالبيئة بقوانينه الصارمة.

إن الحفاظ على البيئة واستدامتها أمانة أخلاقية وإنسانية لحماية كوكب الأرض، وضمان لمستقبل أكثر سلاما وصحة للأجيال القادمة، وهو ركيزة تنموية لاستدامة الاقتصاد الوطني والعالمي وتحقيق جودة الحياة والرفاه الاجتماعي، وهو ما يجب على الجهات الرسمية خاصة التعليمية أن تقف جنبا إلى جنب مع الاستراتيجيات البيئية الوطنية التي تبنتها رؤية المملكة توعية ومحافظة ومساهمة في تحسينها ورعايتها.