الإخوان يعرفون حقيقة الخميني ودعوته المخالفة لأصول الشريعة، كما يعرفون مستوى العنف والقتل الذي واجه به معارضيه شيعةً وسنة، بل يعرفون من قتلهم الخميني من قادة الإخوان المسلمين الإيرانيين، ودعم الشيوعيين ضدَّ الإخوان المسلمين في الإقليم الكردي الإيراني، وقد روى جزءًا من ذلك القيادي الإخواني المناصر لإيران والمعادي للسعودية، ومع ذلك بقي مناصراً لإيران التي قتلت زعماء جماعته ضد السعودية التي آوته شخصياً وسمحت له بالعمل التِّجاري في طول البلاد وعرضها، وآوت قادة وأفراد جماعته ثلاثين سنة وأكثر، ومنهم من لا يزال في السعودية، وروى ندا كيف قتلت إيران أحمد مفتي زادة -أحد قادة الإخوان في إيران- ثم قتلت جميع أنصاره في البرلمان، ومع ذلك لم تزده معرفته بهذه الجرائم إلا حباً في إيران والخميني!

بل الذين قتلتهم إيران الخميني من الإيرانيين المنتسبين لجماعة الإخوان لأنهم سُنَّة أكثر من الذين أعدمهم جمال عبدالناصر، ومع ذلك تحظى إيران حتى اليوم بحبِّ الإخوان وتأييدهم.

استثارة الشعوب فقط وتهييجها على حكامها

ثم نعود لصدَّام حسين الكافر العلماني البعثي كما وصفه الإخوان، وطلبوا من الجيش العراقي أخذ أسلحتهم والاصطفاف مع الإمام -حسب زعمهم- الخميني لقتاله؛ فإنه حينما اتجهت عداوته للسعودية والكويت وقفوا معه مع أنَّ هدفه استئصال الكويت والسعودية؛ وقد نشرت مجلة المختار الإسلامي بياناً لمفكري الإخوان جاء فيه: إنَّ احتلال صدام للكويت منكر ولكن الاستعانة بالقوات الأجنبية الكافرة منكرٌ أكبر منه، ولذا لا يجوز رد صدام إلا بعمل إسلامي!

وهذا التبرير لنصرتهم صداما تبريرٌ باطلٌ جاء لاستثارة الشعوب فقط وتهييجها على حكامها، وإلا فإنَّ تقدير المصلحة والمفسدة يتولاه قادة الدول بما يملكونه من أجهزة، ولا تتولاه الجماعات والأفراد الذين لا يملكون شيئاً من ذلك؛ ثمَّ أين الجيوش الإسلامية التي ستتفق على حرب صدام وهي لم تتفق على حرب الصهاينة الذين احتلوا فلسطين من عشرات السنين؟ ولو اعتمدت السعودية عليهم لكانت الكويت تحت يده حتى اليوم، ولو سلمنا جدلاً بأنَّ القوات الإسلامية حضرت بالفعل، فمن أين ستشتري أسلحتها؟ أليس من الدول الكافرة، والتي ستعمل على إطالة أمد الحرب كي تربح مادياً ويتفانى المسلمون فيما بينهم، فيكونون ضربوا عصفورين بحجر؟ والجماعة تعرف ذلك جيداً لكنَّ الكيد للسعودية هو الباعث لهم على ذلك لا غير، فجماعة تعاونت مع النِّظام البعثي الكافر كما يصفونه للإجهاز على السعودية، هل يُسْتكثر وصفها بالإرهابية؟!

أم نجد أن هذا الوصف تأخر كثيراً؟

سعي الإخوان لتمكين إيران

كما أنَّ الجماعة بعد أكثر من عشرين سنة لم تعترض؛ بل أفتى علماؤها بجواز الاستعانة بحلف الناتو لإسقاط القذافي، وهذا ما تمَّ بالفعل، وتمَّ على إثره فراغ سياسي رهيب في ليبيا جعل منها ميدانًا لحروب أهليَّة، ومؤامرات وصراعات دولية وعربية، فكيف جازت استعانة الثوار بالناتو ولم تجز استعانة دولة ذات قدرات وحضور دولي بحلفاء هي تختارهم؟!

ثم لنقف متعجبين من سعي الإخوان لتمكين إيران من المنطقة وذلك بما رواه مندوب الإخوان إلى صدام حسين: يوسف ندا، وهو أنَّه حاول إقناع صدام بالخروج من الكويت وتسليمها لقوَّة إسلامية بقيادة إيران!.

فهل هو غباء سياسي؟ أم دعم حقيقي لإيران الصفوية كي تتمكن من الكويت التي هي حلم صفوي؟ والخيار الثاني هو الصحيح، فالخميني صرَّح في كتابه الحكومة الإسلامية عن عالميَّة ثورته، والإخوان عبروا في خطاب شكرهم للخميني عن أنَّ ثورته في كل البلاد الإسلاميَّة كما تقدم نقله بمرجعه؛ وبذلك نعلم أنَّ تمكين إيران من الكويت مشروعٌ يشترك فيه الإخوان مع إيران.

لا يُمكن أن نصدِّق أنَّ جماعة تُشارك ولو معنوياً في السعي لتسليم الكويت بثروتها الماليَّة ومركزها العظيم لإيران جماعة سلميَّة، كما لا يمكن تصديق أنَّ جماعة تدعم صدام البعثي الكافر -حسب وصف الجماعة- ضدَّ السعودية جماعة غير إرهابية.

المشكلة الأكبر: أنَّ أي قارئ يريد انتحال الأعذار لجماعة الإخوان سيتذرع بأنَّ الغموض كان يلف الاتجاه الإيراني ولذلك كانت هذه الأخطاء! وهو تذرع غير صحيح لِمَا قدَّمنا من كلام مراقب الإخوان في سورية، ومن تحذير الشيخ سعيد حوى لهم، ومن تحذير هيئة كبار العلماء من إيران ومن نهج الخميني، لكن أنَّى لهم أن يستمعوا لناصحٍ في الخميني، وهو شريكٌ لهم في فكرة الثورة على جميع الحكومات الإسلاميَّة دون استثناء كما نصَّ هو في كتابه الحكومة الإسلامية، وكما نصُّوا هم في بيانهم بعد زيارة أعضاء الاتحاد الدولي للمباركة للخميني كما تقدم.

إذا لم تكن الدعوة للثورة في جميع البلاد الإسلامية إرهاباً، ثُمَّ الدعوة لجعل السَّفاح الخميني قائداً للمسلمين، فليس هناك إرهاب!

الحزب الإسلامي الامتداد العراقي للإخوان

والإخوان الذين رفضوا استقدام القوات الأجنبية لتحرير الكويت كان لهم موقفان متناقضان من احتلال أمريكا للعراق عام 2003م؛ الأول نظري، وهو: إدانة الاحتلال. والثاني عملي، وهو: العمل السياسي في ظلِّ الاحتلال، حيث أدى الاحتلال إلى تولي الإخوان لأول مرة في تاريخهم رئاسة الوزراء في دولة إسلامية ممثلين في الحزب الإسلامي ورئيس الوزراء طارق الهاشمي.

وقد يقال إنَّ هذا الموقف لا بأس به من وجهة سياسية، والجواب: ربما يكون ذلك صحيحاً لو قدموا شيئاً لاسيما لطائفتهم السُّنية التي اعتُبروا ممثلين لها في العملية السياسية، لكن العكس هو الصحيح؛ فلم يقدموا لطائفتهم أي شيء، وحتى الحماية من ميليشيات القتل الإيرانية والتي استهدفت السنة لم يقوموا بها ولو من باب الإنكار باللسان، بل كانت مواقف رئيس الوزراء المنتمي للحزب الإسلامي سيئة من المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، وتبادل الرئيس بوش والهاشمي الثناءات بشأن تعاونهما في جعل العراق أفضل، وقد أصدر عبدالمنعم العلي -المنظر العراقي القريب من جماعة الإخوان- كتابًا ينتقد فيه الحزب الإسلامي في العراق، ويؤكد خضوعه التام وتواطؤه مع الأحزاب الشيعية في قتل السنة وتهجيرهم، ومما ذكره: أنَّ الحزب وقع بين التحالف مع أمريكا الكافرة أو التحالف مع الشيعة المسلمين، فاختار الشيعة المسلمين وإن ذبحوا وقتلوا.

والحقيقة أنهم وقعوا في حلف الفريقين: الأمريكان والإيرانيين، وأصبحوا أدوات لكليهما.

وقد يُقال: إنَّ الحزب الإسلامي لا ينتمي للإخوان المسلمين، فمن الظلم تحميل الإخوان تبعات ما فعلوا.

والجواب: أنَّ جميع العراقيين يعلمون أنَّ الحزب الإسلامي هو الامتداد العراقي للإخوان، وعلى فرض كونه ليس منهم، فالمعروف أنَّ الإخوان يصدرون بيانات الإدانة لكل ما يرونه خطأ لدى الحكومات، فلماذا لم نرهم أدانوا هذا الانقياد لإيران والصمت عن كل جرائم القتل والتشريد التي قامت بها الأحزاب الإيرانية في العراق ضد السنة من الحزب الإسلامي؟!

التغافل العظيم عن جرائم إيران

الإخوان الذين بادروا وأدانوا استيقاف بضع عشرات في السعودية، لم ينبسوا ببنت شفة لقتل وتهجير مئات الآلاف من أهل السنة في العراق وفي سورية، ومنهم لاجئون فلسطينيون قامت الميليشيات الإيرانية في العراق وسورية بقتلهم وتهجير من تبقى منهم.

وللعدل فإنَّ مواقف طارق الهاشمي الأخيرة كانت محمودة، والتي بسببها هرب من العراق كما هرب قبله مئات الآلاف من الخلق، حيث حكم عليه النظام الموالي لإيران في العراق آنذاك بالإعدام، وعلى الرغم من ذلك لم يُغَيِّر الحزب الإسلامي موقفه من إيران وعملائها في العراق.

وقد يُقَال: إن للحزب الإسلامي رؤيته السياسية، وقد يُخطئ فيها وقد يُصيب، وهذا تخريج حسن ينبغي على جماعة الإخوان حين تتذرع به لعدم استنكارها على الحزب الإسلامي أن تتخذه منهجاً مع جميع الدول التي تُنكر الجماعة عليها؛ فما من حاكم يتخذ مواقف لا تُعجبنا إلا وله مثل هذه التأويلات، لكن الموقف الإخواني الرسمي؛ أي: موقف الجماعة وفروعها سوى إخوان سورية من جرائم إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن بقي حتى اليوم صامتاً، وموقفهم من إيران صاحبة كل هذه الجرائم بقي مؤيِّداً تأييداً مطلقا، فلا تعرف لاتحادهم الدولي إدانات بمستوى تلك الجرائم؛ بل تجد من رموزهم من يُوشك أن يعتذر لها، وانظر مثلاً مقالا كتبه نائب المراقب العام سابقاً للإخوان في الأردن: زكي بني أرشيد، وهو أيضا أمين عام حزب جبهة العمل الأردني الواجهة السياسية للإخوان في الأردن، ذكر فيه أنَّ علاقة الإخوان بإيران استراتيجية منذ مؤسس الجماعة، وأن نفوذ إيران في سورية والعراق جاء لكونها ذات مشروع في ظل خلو المنطقة من المشاريع العربية.

فهذا التغافل العظيم عن جرائم إيران ووصفها بكونها مشروعا ليس إلا، أليس إقراراً للإرهاب في المنطقة؟ وكيف يُستكثر أن يوصف المُقِر بكونه إرهابياً؟
مستمسكات مكشوفة

يعرفون حقيقة الخميني ودعوته المخالفة لأصول الشريعة

يعرفون مستوى العنف والقتل الذي واجه به معارضيه شيعةً وسُنَّةً

يعرفون مَنْ قتلهم الخميني من قادة الإخوان المسلمين الإيرانيين

دعمه الشيوعيين ضد الإخوان في الإقليم الكردي الإيراني

قتل إيران أحمد مفتي زادة أحد قادة الإخوان في إيران

قتلت من الإيرانيين المنتسبين للإخوان لأنهم سُنَّة أكثر من الذين أعدمهم عبد الناصر

تناقضات الإخوان

وصفوا صدَّام بالكافر العلماني البعثي

طلبوا من الجيش العراقي الاصطفاف مع الخميني لقتاله

نصرتهم لصدام جاءت لاستثارة الشعوب وتهييجها على حكامها

وقفوا معه في عداوته للكويت والسعودية

أفتى علماؤها بجواز الاستعانة بحلف الناتو لإسقاط القذافي

حاولوا إقناع صدام بالخروج من الكويت وتسليمها لقوَّة إسلامية بقيادة إيران

رفضوا استقدام القوات الأجنبية لتحرير الكويت

2003 إدانة الاحتلال الأمريكي للعراق ثم العمل السياسي في ظله

عدم حماية السنة من ميليشيات القتل الإيرانية

وقعوا في حلف الأمريكان والإيرانيين، وأصبحوا أدوات لكليهما

صمتهم عن قتل وتهجير الآلاف من السُّنة في العراق وسورية

صمتهم عن جرائم إيران في لبنان واليمن

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الخامسة