عندما يكون الانسان هو الهدف والغاية من التنمية بمختلف مساراتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن التنمية تُحقق أهدافها وتطلُّعاتها، لأن الانسان هو محور التنمية، وهو وسيلتها، وأداتها، كما أنه حصادها، فبقُدراته تُستثمر الموارد، وبمؤهلاته ومهاراته يكون الإنجاز، وبتمكينه ومشاركته ودعمه، يكون الإبداع في البناء والتطوير في الأداء.

كان استشعار المسؤولية الإنسانية لخادم الحرمين الشريفين هو الدافع الأساسي لعقد القمة الأولى «الاستثنائية» لمجموعة العشرين في مارس 2020، إذ كانت جائحة كورونا في بدايات انتشارها العالمي كوباء جامح استهدف الإنسان ومقدراته في جميع أرجاء العالم، فكم من الأرواح أزهقت، وكم من الوظائف فُقدت، وكم من الاقتصادات أُنهكت، في غضون شهور، وعليه كان لا بد من تحرك إنساني مُوجّه تقوده مجموعة العشرين التي تمثل الدول الأكبر اقتصاداً في العالم، لوضع السياسات والمبادرات التعاونية والتطوعية لمساعدة الدول الأقل نمواً في مواجهة تلك الكارثة الصحية والاجتماعية، وما تبعها من آثار مدمرة على اقتصادات تلك الدول الضعيفة في مواردها وفي بنيتها التحتية، حتى عجزت إمكاناتها عن مواجهة تلك الجائحة صحياً واجتماعياً واقتصادياً؛ فكانت القمَّة الإنسانية المنصَّة التي انطلقت منها السياسات، لإنقاذ تلك الدول ودعمها ومُساندتها صحياً واقتصادياً ومادياً بما يقدر بـ21 مليار دولار.

وكما كانت الإنسانية تقود القمة الأولى الاستثنائية لمجموعة العشرين، فإنها توجَّت كذلك مضمون كلمة خادم الحرمين الشريفين، في اجتماع القمة الختامي، والذي استهله - حفظه الله - بما شكَّلته جائحة كورونا من صدمة غير مسبوقة ألمَّت بالعالم أجمع في فترة وجيزة، وما تسبَّبت فيه من خسائر اقتصادية واجتماعية ما زالت تُعاني منها مختلف الشعوب، وما زالت تأثيراتها قائمة وتحتاج الى التعاون الدولي للحد من أضرارها.

على الصعيد الوطني، كانت القيادة الحكيمة نموذجاً للإدارة الحاسمة واليقظة لما تستدعيه متطلبات إدارة الأزمات والكوارث، لاحتوائها، والتقليل من أضرارها على جميع المستويات، فاضطرت الدولة إلى اتخاذ تدابير استثنائية لدعم الاقتصاد الوطني؛ بضخّ أكثر من أحد عشر تريليون دولار، لدعم الأفراد والشركات، للتخفيف من تأثير الجائحة عليهم، لما تسببت فيه من كساد اقتصادي وفقدان للوظائف، أثَّر بدوره على النمو الاقتصادي بصفة عامة.

ولدعم الانسان وحمايته اقتصادياً واجتماعياً، فقد توسَّعت الدولة في شبكات الحماية الاجتماعية، لحماية الفئات المُعرّضة لفقدان وظائفهم ومصادر دخلهم، لتعويضهم عن التأثيرات السلبية للكارثة، وقد امتدَّ استشعار المسؤولية الإنسانية، ليشمل الدعم الطارئ للدول النامية، بمبادرة مجموعة العشرين بتعليق مدفوعات الدين للدول ذات الدخل المنخفض.

وقد سعت المملكة بقيادتها لمجموعة العشرين، إلى التعاون مع شركائها الدوليين في إقرار سياسات تهدف لحماية الشعوب والعمل على التخفيف من حدّة الأزمة عليهم، لطمأنتهم وبثّ الأمل فيهم بما يُسهم في رخاء الإنسان واستقراره وأمنه. ومثل الهدف العام، في اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع، بما يتضمنه في محاوره الرئيسية من: تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة؛ ترجمة فعلية لجهود ومساعٍ، شكل فيها الجانب الإنساني المحور، الذي تتطلع القيادة إلى تحقيق نمائه، لبناء مستقبل أفضل للشعوب والأجيال القادمة.

واستكمالاً لمسيرة وطنية داعمة للإنسان وقُدراته، ولتعزيز مشاركته في تحقيق أهدافنا التنموية ورؤيتنا الطموح، فقد أخذت المرأة والشباب جانباً هاماً من التوجهات المستهدف دعمها على مستوى دول العشرين؛ بتعزيز دورهم ومستوى مشاركتهم في سوق العمل وتمكينهم في المجتمع، من خلال التعليم والتدريب وإيجاد الوظائف لهم، علاوة على دعم رواد الأعمال بخلق فرص وظيفية وسد الفجوات الرقمية بين الأفراد.

ولأن تحقيق أهداف التنمية المستديمة، هو أحد مستهدفاتنا الوطنية في إطار سياسات وأهداف عالمية شاملة، فقد قامت المملكة بتعزيز مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون، كنهج فعَّال لتحقيق أهدافنا المتعلقة بالتغير المناخي وضمان توفير أنظمة طاقة مستديمة، بأقل تكلفة وأكثر نظافة، وتكون صديقة للبيئة، وبما يحد من تأثير الكربون وأضراره على الإنسان.

شكَّل محور المحافظة على كوكب الأرض والحفاظ على البيئة ومواردها جانباً هاماً من الاعتبارات المستهدفة لتحقيق التنمية المستديمة؛ وعليه فقد دعت المملكة إلى مكافحة تدهور الأراضي والحفاظ على الشعب المرجانية، التي أخذت تتآكل وتنحسر مع سوء الاستهلاك البشري، بما يهدد مقدرات الأجيال القادمة.

على الجانب الاقتصادي، فقد أقرّت مملكة الإنسانية دعم التجارة كمحرك أساسي للتعافي الاقتصادي، بإقرار مبادرة الرياض بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية، بهدف جعل النظام التجاري متعدد الأطراف أكثر قدرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.

مملكة الإنسانية مثّلت نموذجاً دولياً في تسخير الاقتصاد لخدمة الإنسان، بل استحوذت الشعوب الأقل نمواً على جُلِّ السياسات الداعمة للإنسان والبيئة نحو تحقيق مستقبل أفضل، إيماناً بأن الإنسان هو الهدف والوسيلة والغاية من التنمية، وبه سيكون الإنجاز وسيحصد الرخاء وسيتحقق النمو الشامل المستديم، وإن الاستثمار في مواردنا البشرية ومقدراتنا الوطنية إنما هو استثمار في مستقبل وطن ورخاء شعب وبناء قوة مستديمة لاقتصادنا ولمكانتنا الدولية، ضمن مجموعة اقتصادية تتصدَّر الدول بقوة بنيتها التحتية، وبريادتها التي مكَّنتها من قيادة العالم.