لا يختلف أحد على أن كُبرى الفوائد التي يخرج بها قطاع الأعمال بصورة عامة خلال الأزمات الطارئة، وغير المتوقعة، تتمثل في زيادة الوعي والمعرفة حول الكيفية التي يتعامل بها مع الواقع الجديد، وهذا الأمر يُحفّز مجتمع الأعمال على ابتكار أساليب مرنة، تضمن استمراريته، وتحافظ على وجوده في السوق، بجانب ضمان الحفاظ على عُملائه الذين يمثلون إحدى الركائز الأساسية، في العملية التسويقية للمنتجات والخدمات.

وما أقصده هنا، أن المرحلة الحالية التي فرضتها علينا جائحة كورونا كانت أزمة حقيقية، وتطلبت أن تتبع شركات القطاع الخاص أسلوب المرونة والسرعة، لتصبح ما يعرف بالشركات المرنة (Agile) لأن أي شركة تتبع هذا الأسلوب، مهما كان حجمها أو طبيعة نشاطها، ستجد نفسها قادرة على التجاوب مع المتغيرات من حولها، وستتكيف بشكل مستمر وأفضل مع واقع الحال الجديد، وستدخل باتجاه التعافي بشكل أسرع من غيرها من الشركات.

إدارة الشركات بالأسلوب المرن والسريع أو الرشيق سيمكنها من الحراك بكل خفة، خطوةً بخطوة لتتحرر من السياسات والإجراءات والهياكل الجامدة التي تُكبّلها وتحدّ من حركتها، ولا تضع بطبيعتها الأزمات الطارئة في عين الاعتبار، فاتباع الشركة لأسلوب المرونة والسرعة، سيمكنها من إدارة دفّة العمل في كل إداراتها وأقسامها، بكل مرونة، وبأقل التكاليف، وبمجهود معقول وواقعي، بحيث يحقق الإنتاجية والعائد المالي الذي يجعل الشركة المعنية تُحافظ على اسمها وعلامتها التجارية في السوق، وهذا الأمر يحقق النجاح، ويضمن توازن الأعمال.

ويختلف هذا الأسلوب تماماً عن الأسلوب التقليدي الذي ظلَّت كثير من الشركات تنتهجه في تسيير أعمالها، والمتمثل في الهيكل التنظيمي الثابت، والجامد أيضاً، والذي يضم أقساماً وإدارات مترهلة كبيرة الحجم تفتقر إلى التواصل والتفاعل الحقيقي بين العاملين فيها، مما يُكبّلها ويمنعها من التحرك بمرونة وسُرعة، بل ويُنشئ جداراً فاصلاً بينها وبين عُملائها، وهذا بدوره يؤدي لعدم تحقيق رغباتهم وتطلعاتهم.

ولا يعني حديثنا عن الرشاقة والمرونة في الشركات أننا نغفل عن تطبيق مبادئ الحوكمة، بل إن الحوكمة المؤسسية، تُعد أحد أهم وأبرز العوامل الرئيسية في تطوير عمل الشركات، وحجر أساس في إدارة الأزمات، بحيث تعمل الحوكمة على خلق إطار مؤسسي تشاركي، وتقوم بزيادة أرباح المنشأة وتعزز من وجودها وترفع من قيمتها السوقية، على المدى القريب والبعيد بإذن الله. لذلك، لا بد أن تحرص الشركات حرصاً كبيراً على تطبيق مبادئ الحوكمة؛ لأنها تقوم على حزمة من القواعد والقوانين والمعايير التي تطبقها المنظمة أو الشركة المعنية بطريقة علمية وعملية، إلى جانب أن الحوكمة تُعد خياراً استراتيجياً يعمل على تنظيم العلاقة بين كافة الأطراف؛ شركات القطاع الخاص والعام وأصحاب المصالح المباشرة وغير المباشرة، إضافة لأصحاب المصالح المرتبطين بالمنشأة المعنية.

وهذا يعني أن الحوكمة تعمل على تنظيم العمل في القطاعين العام والخاص بطريقة علمية، بجانب الرقابة عليها، وهو ما يعرف بأسلوب الإدارة الرشيدة، والذي لا يطبق في منشآت القطاعين العام والخاص فحسب، بل يطبق أيضاً في مؤسسات المجتمع المدني، ممَّا يوفر قدراً كبيراً من العدالة والشفافية لجميع أصحاب المصالح، بجانب ترسيخ مفهوم النزاهة في المعاملات المالية.

ونظراً لصعوبة تطبيق مبادئ ومفاهيم الحوكمة بطريقة سليمة وصارمة، يلجأ كثير من أصحاب المؤسسات والمنشآت في الغالب إلى كيانات استشارية ذات خبرات عريضة في مجال الحوكمة والقوانين والتشريعات، لتتولى بناء نظام حوكمي، يعزز الثقة بين كافة الأطراف، بالإضافة إلى الخبرة في إدارة المخاطــر التي تحيط بالشركة، وهذا بالتالي سيســاعد أصحاب الأعمال على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية وفق رؤى أكثر وضوحاً، تساعدهم على تحقيق الأرباح، وجذب المستثمرين واكتساب ثقة كافة الأطراف.

التشاركية الجادة بين الحكومة والقطاع الخاص، تمثل أكبر دافع للاستمرار في أداء القطاع الخاص لدوره المحوري في التنمية الاقتصادية في البلاد، وذلك وفقاً لمستهدفات «رؤية المملكة 2030»، لذلك فإن الجميع يحرص على استمرارية أعمال القطاع الخاص، على الرغم من المعاناة الناتجة عن جائحة كورونا، والتي فرضت واقعاً اقتصادياً وصحياً واجتماعياً جديداً، ووضعت الجميع أمام تحديات كبيرة، تتطلب مزيداً من المرونة والسرعة في إدارة الأعمال، والمشاركة في إدارة الأزمات، والتي إذا ما وظفت بالشكل الصحيح فإنها ستساعدنا على تجاوز الجائحة مهما طالت، لا بأقل الخسائر الممكنة وحسب، ولكن بالمزيد من الفرص التي ستتيح خلق مستقبل اقتصادي أفضل بإذن الله.