أولا وقبل البدء في هذا المقال، أعترف بأني إنسان، مثلي مثل الكثيرين من الخلق أتكلم، وأنا قاعد ربما في صالة الجلوس، أو في غرفة النوم والمكيف شغال، وعلى وشك البدء في أحلام اليقظة التي دوختنا، والتي ليس هناك مفسر في العالم يدعي أنه يستطيع تفسير حلم منها، أو الدخول في النوم. ثم «احنا والكوابيس جيران»، أو ربما نجتمع مع الأ صدقاء، وأمامنا فناجين القهوة مع غرشة تمر، لا يبارحان مجلسنا، وهناك رجالنا الأشاوس في البر والبحر يصدون هجمات جبانة، هم أكفاء لها ولأكثر منها. نعم كل له دور، وكل مواطن لبنة من لبنات المجتمع، ولكن نرفع العقال وندعو لمن هم على خط النار وأرواحهم على أكفهم يجودون بها مرضاة لله، وتوجيه قادتنا بعزائم ما تلين، بما يحفظ للوطن والمواطن الأمن والطمأنينة.

الغرض من هذه المقدمة، أننا عندما نخوض في مثل هذه الأحداث فإنما نتكلم من رؤية انطباعية، ومشاعر وطنية، لا تخضع لمقاييس أو دراسات، أو إستراتيجيات أو حتي تكتيكات. قادتنا - حفظهم الله، هم الذين يقدرون المواقف، ومتي تكون ردود الفعل وبأي حجم تكون، والحمدلله، نحظى بقادة لديهم من الحكمة والبصيرة ما يجعل عقولنا مطمئنة، وأفكارنا العقلانية تصب في ذلك الاتجاه، ولكن القلب وما يهوى، والقلب هنا لا يعنيه قانون دولي، ولا مواقف العالم، فبالنسبة له كل هذه فولكلورات لضمير العالم النائم، والذي لا يعني له شيئًا، الاهتمام بالعدل والإنصاف والإقرار بالحقوق، عالم مصلحجي، إذا اهتزت مصالحه استيقظ من نومه وعاد إلى وعيه، أما إذا كانت مصالحه في الحفظ والصون، فلماذا يزعج ضميره، هذا إذا كان هناك ضمير.

أما شكليات سياسته وظاهرها، فإن تكلفوا نددوا، وإذا تقدمت مواقفهم شجبوا بشدة، وذلك لذر الرماد في العيون، ومع الأسف لا يصحو هذا الضمير المبتذل بالنسبة لهم، إلا إذا قمنا بالدفاع عن أنفسنا، هنا يثور الضمير المريض، وينتفض «وا كراماتاه»، بئس له من ضمير. وهكذا كان مع حادثة الاعتداء على خزان وقود في جدة، فأمين الأمم المختلفة «غريفيش»، الحقيقة لم يقصر فقد أبدى قلقه، يعني إيش نبغي منه كمان؟، يقطع هدومه يعني، ولا ينتف حواجبه؟ خلاص لازم نقدر هذا القلق ونحترمه.

أما مندوبه إلى اليمن «مارتن غريفيث»، فالسكوت علامة الرضا، «فحتي القلق محروم منه»، وكأني اسمعه يغني «متحوث وعابر سبيل».

هذا أردوغان يضرب يمنة ويسرى، وأستراليا قبل عدة أيام قتلت في غلطة ومش حتعود «على حد قولهم» 39 مدنيًا، والعالم سكتم بكتم، وإثيوبيا تشن حربًا بلا هوادة على تيجراي، بل ودخلت إلى شوارع وحارات عاصمتها، وتحذر العالم من التدخل، والله أعلم كم قتل من المدنيين وكم سيقتل، والعالم سكتمين وبكتمين.

وهذه ألمانيا تحظر السلاح علينا، وتزود تركيا به، التي ما تركت جبهة إلا أشعلتها، وقد انتقد وزير خارجية اليونان مد ألمانيا تركيا بالسلاح، كما عبر الوزير الجبير عن موقف المملكة، حيث قال لهم:

نحن لا نحتاج أسلحتكم..

أين انت من هذا أيها الضمير العالمي، ويا منظمات حقوق الإنسان.

أنا هنا لا أحكم على صحة تلك الإجراءات والمواقف أو حتى سوءها من تلك الدول، فالمختصون السياسيون أبخص، فهناك حكايات تروي من هنا وهناك، إنما أعطي أمثلة على الكيل بمكيالين.

قرار مجلس الأمن رقم (2216) بخصوص اليمن، وتحت الفصل السابع منذ سبع سنوات، لا يزال دوار في المجالس دوار في الحارات، وهذا وجهي لو فعلت بنود القرار الذي يتيح خيارات قسرية متعددة.

لقد أمعن الحوثي في جرائمه، وهو يعتقد أن الجو قد خلا له، فأصبح يعيث فسادًا داخل اليمن وخارجه، ويحتفل بوصول الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وكروز من إيران، وذلك أمام أنظار العالم الذي ليس لديه نظر ولا بصيرة. ويزرع الألغام في البر والبحر، هنا وهناك، ويرسل الزوارق المفخخة في البحر.

كما يقوم الحوثي بالهجوم علي مأرب، وفي الوقت نفسه يحاصر تعز، وأخيرًا وليس آخرًا على ما يبدو، الهجوم على خزان وقود في جدة، ومحاولة إصابة سفينة تجارية في الشعيبة، وختم هذا الأسبوع بهجوم دموي على الحديدة، قتل نتيجته ثمانية مدنيين وأصيب العشرات، والعالم «هس»، وكالعادة لا يهش ولا ينش، وما زال «الأخوة الأعداء» غريفيش وغريفيث في حالة «صمت الحملان».

ما يقوم به الحوثي ما هو إلا عبث أحمق ينفذه صبية لم يتربوا، ويبدو قد حان وقت التربية.

لا يرتدع هؤلاء الانقلابيون المجرمون، إلا بضربة ساحقة ماحقة تفهمهم حجمهم.

أما العالم ومجلس الأمن والأمم المختلفة، فلا خير يرجي منهم، فقد طفح الكيل من «صهينتهم»، وبلغ الصبر الزبى.