يُخيلُ ليّ أن المنطقة تحولت إلى مسرح كبير يُدار من خشبته في طهران، ويأتي الجواب من قطاع غزة المحتل من قبل حركة حماس الإرهابية، ومن الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.

وينطلق النياح واللطم في تلك الجهتين من العالم العربي، قطاع غزة والضاحية الجنوبية لبيروت، وحارة حريك معقل ميليشيا حزب الله الإرهابي. لا أتخيّل وأنا المُتسمر أمام شاشات الأخبار، أنني شاهدت أو قرأت يوماً ما، أن عصابة حماس الإرهابية، أنكرت قصف جماعة الحوثي المتطرفة والمدعومة إيرانياً لمكة المكرمة، أو استهداف مصادر النفط السعودية التي اكتسبت منها الجماعة المارقة - أي حماس - على مدى عقود مضت تمويلها المالي، ولم تُندد أو تستنكر يوماً صواريخ الحوثي التي تنتهك سيادة المملكة بين حينٍ وآخر. على مدى أكثر من أربع سنوات مضت، تعرضت المملكة لهجمات متكررة، دون أن تحرك ساكناً، أو يخرج أحد قادة الحركة ويشجب ذلك.. ولا أتذكر أنها بعثت ببرقية عزاء في جُندي سعودي قُتل على يد الحوثي في صنعاء. في مقابل ذلك، سُرعان ما تجتهد للانبطاح في طهران للتعزية في قاسم سليماني وفخري زاده وبقية المجرمين القتلة. كُل ذلك لأن، حركة حماس وحزب الله في لبنان وعصابة الحوثي في اليمن، كيانات سياسية لا تتجاوز كونها أدوات ومطايا في يد نظام الولي الفقيه، يقتات عليهم، فيما يقتاتون هم على الأغبياء ومن تنطلي عليهم كذبة تحرير الأراضي المُحتلة، على يد النظام الإيراني.

أتصور أن هناك إيماناً مطلقا في نفوس راسمي سياسة الحركة المتطرفة، بسيناريو كبير، يفترض دعم تقديم إيران على أنها عدو أوحد للكيان الإسرائيلي، وأنها الدولة الوحيدة التي تحرص على تطهير المنطقة من الدنس الإسرائيلي، أما بقية دول المنطقة فأدنى من مستوى العمق السياسي الاستراتيجي الإيراني.

من هذا المنطلق وبناءً على عامل اكتساب أكبر قدر من التعاطف الشعبي المبني على «كذبة الانتصار للشعوب المظلومة»، تضع حماس نفسها كما حزب الله في لبنان في خدمة النظام الإيراني الفاشي. هذا من ناحية محور حماس.

أما عن التهديدات الإيرانية بالرد على مقتل أحد علمائها النوويين، ففي نظري لا يختلف النظام الإيراني عن نظام بشار الأسد في دمشق. كلاهما يجتمعان في محورٍ هشّ من نواحٍ عديدة. نظام الأسد الذي تحوم مقاتلات الإف 16 الإسرائيلية بشكل يومي في أجوائه السورية، ويتواصل قصفها مواقع داخل المحيط الجغرافي السوري منذ سنوات، لم تتجاوز ردوده أكثر من تعبيرٍ بالتنديد والوعيد بالرد في الوقت المناسب، إما على لسان بشار الأسد، أو مستشارته الشهيرة بثينة شعبان. ولم يحن الوقت المناسب بعد منذ سنوات، ولن يحن ولن يأتِ.

استناداً على ذلك يمكن قراءة التهديد الذي أطلقته طهران بعد مقتل العالم النووي الإيراني على أرض بلاده فخري زاده.

من حيث المبدأ وبتفكير بسيط، فالرجل القتيل يعتبر عراباً للبرنامج النووي. وتكمن أهميته في الطابع الدولي بوضع الولايات المتحدة اسمه على قوائم من يمكن أن تطالهم العقوبات الأمريكية. وعلى الصعيد المحلي الإيراني فهو يتمتع بشعبية كبرى، تمنحه على أقل تقدير غطاءً أمنياً يتناسب مع أهميته. من هنا يمكن أن تتولد العديد من الأسئلة.

هل كان الرجل طُعماً لاستدراج طرف ما؟ أم أن طرفاً ما بالمقابل قتل الرجل لاستدراج إيران لارتكاب حماقةٍ عسكريةٍ ما، قبيل مغادرة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب للمكتب البيضاوي، وهو الذي هددها علانيةً بعملٍ عسكريٍ فيما لو تعرض أي أمريكي في الخارج لأي أذى؟

أرى أنه بالضرورة أن تكون الإدارة الإيرانية في موضع حرج على الصعيد المحلي، فالمواطن الإيراني لم ينس بعد دماء قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذي ذهب ضحية هجومٍ أمريكي نُفذ بطائرة من دون طيار.

من هذا المنطلق يعتبر النظام الإيراني مطالباً أمام الرأي العام الداخلي بتنفيذ تهديداته بأخذ الثأر لزاده، بعمل عسكري حقيقي يؤكد للمواطن قيمته لدى حكومته، وليس كما لجأت في الثأر لسليماني، حين أطلقت صواريخ كارتونية على مواقع عراقية ذهب ضحيتها مجموعة من العراقيين ولم يُصب أي أمريكي نتيجة تلك الصواريخ.

أنا على يقينٍ مطلق أن طهران أجبن من أن تتحمل أعباء أي رد يستهدف أطرافاً أمريكية، أو إسرائيلية بناءً على أصابع الاتهام التي وجهتها إلى تل أبيب مباشرةً بعد مصرع زاده. لماذا؟ لعدة أسباب، أولها أن طهران أضعف مما يتخيل الكثير من النواحي العسكرية، بصرف النظر عن الاستعراضات الفارغة التي تلجأ لها بين فينةٍ وأخرى، فهي أقل من أبسط قوة في المنطقة.

ثانياً ليس من مصلحة الجمهورية الإيرانية أن تبدأ مرحلة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بمزيد من التناحر والاختلاف مع الإدارة الأمريكية الجديدة، كونها تعول على إعادة العمل باتفاق 5 + 1 الذي يكفل لها مواصلة بناء برنامجها النووي.

ثالثاً، تدني قيمة الإنسان الإيراني في نظر إدارته. رابعاً وهذا الأهم أنها تخشى ردود أفعال الرئيس ترمب الذي لا يزال في أسابيعه الأخيرة من حكم الولايات المتحدة الأمريكية.

من هذا المنطلق لن ترد طهران على مقتل زاده إلا من خلال التهديد والوعيد ومزيد من الجعجعة الإعلامية المدعومة من قناة الجزيرة في «شرق سلوى».

وللاستدلال، فقد قتل سلاح الجو الإسرائيلي، عشرات من جنرالات الحرس الثوري الإيراني في سورية ممن انتدبتهم لإنقاذ نظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، كان آخرهم يوم الإثنين الماضي، ولم تستطع الرد على إسرائيل ولو بطلقة واحدة، لا هي ولا النظام السوري ذو شعار «سنرد في الوقت المناسب».

ما أخلُص لقوله إن هدف ذلك المحور الحصول على تعاطف العامة والبسطاء، من خلال استهداف العواطف، فكيف يمكن تصديق تحرير القدس والأراضي المحتلة، في ظل الصمت عن قصف مكة المكرمة.

آن للكثيرين أن يستوعبوا أن مفهوم الشعارات، هو أن تقول ما لا يمكنك فعله بدليل أنه مُنذُ عشرات السنين، والشعارات هي هي، والوعيد هو هو. ماذا تحقق لا شيء. ولن يتحقق.