من جديد تثبت الميليشيات الحوثية الانقلابية المدعومة من طهران ضحالة تفكيرها، وعدم إدراكها للمستجدات والمتغيرات السياسية التي يشهدها العالم، والثوابت التي لا يمكن التسامح معها بأي حال من الأحوال، وفي مقدمتها استمرار تدفق إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط نحو الأسواق العالمية بدون أي مهددات، وثبات أسعار المشتقات النفطية، على أساس أنها المدخل الأول نحو ضمان استقرار الاقتصاد العالمي، وعدم تأثره بأي عوامل خارجية.

خلال الأسبوع الماضي أقدمت جماعة الحوثيين الانقلابية على مهاجمة إحدى محطات توزيع الوقود شمال مدينة جدة بمقذوف تسبب في اشتعال النيران في المحطة، مما شكل قلقًا كبيرًا للمجتمع الدولي برمته، ورغم أن الجهات المختصة تمكنت من إطفاء الحريق في ساعات محدودة دون وقوع إصابات بشرية أو مادية، وقبل أن يمتد إلى المحطات المجاورة فإن الحادث أطلق جرس الإنذار للمؤسسات الدولية التي تحكم العالم للتحرك سريعًا لمنع تكرار هذه الحوادث غير المسؤولة، لأن هذا الاعتداء الإرهابي لا يستهدف المقدرات الوطنية للمملكة، وإنما يستهدف عصب الاقتصاد العالمي وإمداداته، وكذلك أمن الطاقة العالمي.

وجه الغباء السياسي الذي تتصف به جماعة الحوثيين الانقلابية يكمن في أنها اختارت التوقيت الخاطئ لتلك المغامرة غير المحسوبة العواقب، فقد وقع في وقت تدرس فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تصنيف الميليشيات كجماعة إرهابية ووضعها على القائمة السوداء، وكأن الحوثي يسهل لها القيام بتلك الخطوة، ويزيل مبررات الاعتراض التي قد يرفعها البعض.

الجانب الآخر في خطأ التوقيت يكمن في أن الحادث أتى في وقت تعمل فيه دول العالم أجمع لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد 19) بعد إعلان نجاح عدة لقاحات كفيلة باستئصال الفيروس، وهو النجاح الذي تحقق بعد التضامن الذي حدث نتيجة للجهود التي بذلتها المملكة كرئيسة للدورة الحالية لمجموعة العشرين، وما بذلته دول المجموعة من جهود، وما رصدته من أموال ضخمة لتلك الغاية، ومن المؤكد أن ذلك التفوق السعودي المتواصل أصاب طهران بالغيظ والحسد، لا سيما بعد الأصداء الواسعة التي رافقت نجاح قمة العشرين، واهتمام وسائل الإعلام العالمية بالمملكة وما تحققه من تقدم وتطور، فلم تجد متنفسًا لأحقادها سوى ذلك التصرف اليائس الذي انقلب عليها وارتد في نحرها.

وإن كانت الميليشيات الإرهابية تجهل مبادئ العمل السياسي عطفًا على تدني الكفاءة وسط أتباعها وقياداتها من الفاقد التربوي الذي لم يحظ بأي تعليم نظامي أو تأهيل سياسي، فما هو العذر لنظام طهران الذي لا تجرؤ الميليشيات - بطبيعة الحال - على ارتكاب حماقة من هذا النوع بدون استشارته وأخذ موافقته؟

أيا كانت الدوافع والمبررات، فإن العالم يقف في هذه اللحظة أمام مفترق طرق، وعلى دوله الكبرى والمؤسسات الدولية التي تحكمه اتخاذ القرار الصائب الذي يعيد لها هيبتها، ويؤكد بسط سيادة القانون، ويوقف مثل تلك التصرفات التي تضع مستقبل الاقتصاد العالمي في طريق مجهول، لا سيما بعد أن تكررت محاولات الاعتداء خلال الفترة القليلة الماضية، كما حدث أخيرًا في جازان قرب منصة التفريغ العائمة التابعة لمحطة توزيع المنتجات البترولية، وما سبقه من اعتداء إرهابي على المنشآت النفطية في بقيق وخريص.

كذلك أعلن تحالف دعم الشرعية تدمير خمسة ألغام بحرية زرعتها الميليشيات الحوثية في جنوب البحر الأحمر، مؤكدًا أن الألغام التي دُمرت هي إيرانية الصنع من نوع «صدف»، وأن مجموع الألغام التي دُمرت في البحر الأحمر خلال الفترة الماضية وصل إلى 163 لغمًا بحريًا تم تدميرها الممرات المائية الدولية.

تلك الألغام تمثل تهديدًا جديًا للأمن، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن ميليشيات الحوثي التي لا تقيم وزنًا للقانون الدولي، ولا توجد ثقافة حماية المدنيين في قاموسها يمكن أن ترتكب أعمالا متهورة باستخدام تلك الأسلحة المميتة، وكما يقولون في الموروث الشعبي فإن الأحمق يمكن أن يحرق أصابعه بالنار، لكن الحريق حتما سيمتد ليشمل غيره، ويمكن القول إن الاقتصاد العالمي الذي يتحسس طريقه للتعافي بعد جائحة كورونا مهدد بالدخول في كساد عظيم نتيجة تصرفات الحوثيين التي تهدد بإشعال طريق الملاحة العالمية.

الحاجة إلى تحرك دولي لمواجهة الخطر الإيراني على إمدادات الطاقة تزداد إذا أخذنا في الاعتبار التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر من العام الماضي، وأشارت فيه إلى مسؤولية النظام الإيراني، وضلوعه المباشر بالهجمات ضد المملكة، وأكدت التوصل إلى قناعة كافية بوقوف طهران وراء الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية، واستهداف مطار أبها بصواريخ كروز وطائرات مسيرة، بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر والأضرار وسط المدنيين.

المثير للأسف هو أن الأمم المتحدة، ورغم تحديدها بدقة هوية الطرف الذي يقف وراء هذه التصرفات المرفوضة، والإدانة الرسمية، إلا أنها تكتفي بعبارات الشجب والرفض، ويتمسك أمينها العام أنطونيو جوتيريش بالوقوف عند محطة إبداء القلق والإعراب عن الأسف، والدعوة إلى ضبط النفس، دون تحرك فعلي يعيد الطمأنينة للأسواق العالمية، فما دامت هناك جريمة ارتكبت فإن مبادئ القانون الدولي توضح حتمية فرض العقوبة اللازمة على المعتدي، فلا جريمة بدون عقوبة، كما تؤكد القاعدة القانونية الشهيرة.

لكل ما سبق فإن المطالبة بموقف دولي صارم ليس الغرض من ورائه مساعدة المملكة على ضمان أمنها وحماية مصالحها النفطية، فهي قادرة على ذلك بحول الله، وتستطيع حماية نفسها ورد المعتدين، لكن الهدف الأساسي هو فرض سيادة القانون، وتأكيد الثوابت، ورسم الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها في كافة الأحوال، والإحجام عن رد المعتدي يدفع المعتدى عليه لأخذ حقه بيده، وهو ما يعني غياب القانون الدولي.