بعد أن أثبت التعليم الإلكتروني أهميته وفاعليته، بل ضرورته في ظروف الأزمات، وفي مواجهة مختلف التحديات التي تحول دون الحضور الفعلي للمتعلم، فإنه أصبح خيارا إستراتيجيا مطلوبا في جميع الأحوال، باعتبار أن عجلة التعليم لا بد أن تستمر تحت كل الظروف والتحديات، لتسهم في استكمال مسيرة التنمية والعطاء لمواردنا البشرية، ولاستدامة الأداء والإنجاز في جميع المجالات التنموية الأخرى.

وضمن التوجه نحو توسيع قاعدة التعليم والتدريب الإلكتروني، أعلن المركز الوطني للتعليم الإلكتروني إطلاق خدمة الترخيص لجهات وبرامج التعليم والتدريب الإلكتروني في كل الجامعات الحكومية والخاصة، والجهات التعليمية والتدريبية في المملكة، وعليه فقد تم منح أربع جامعات سعودية تراخيص لتقديم برامج «التعليم الإلكتروني»، بينما ما زال عدد من الجامعات والجهات التدريبية الحكومية والخاصة ينتظر الانتهاء من الإجراءات المتعلقة بمنحها التراخيص المطلوبة، وذلك بعد منح الجهات المقدمة للتعليم والتدريب الإلكتروني مهلة «سنة»، لتصحيح أوضاعها حتي تتمكن من ممارسة نشاطاتها.

وعليه، فقد وافق المركز على منح التراخيص وفق ضوابط ومعايير تم اعتمادها، والبدء في تطبيقها أخيرا - كما تم نشره، وبذلك فقد حصلت جامعة الملك عبدالعزيز على ترخيص لدبلوم المبيعات الاحترافي، والتسويق، والإدارة العامة، والبنوك والتأمين، وحصلت جامعة الملك فيصل على ترخيص دبلوم التسويق والمبيعات، والمصرفية والتأمين، والإدارة العامة، في حين حصلت جامعة القصيم على ترخيص لدبلوم التسويق الرقمي، وإدارة اللوجستيات وسلاسل الامداد، والمحاسبة، والمبيعات، بينما حصلت جامعة الأميرة نورة على ترخيص لدبلوم التسويق.

تجربة التعليم عن بُعد أو «التعليم الإلكتروني» في السعودية ليست بالحديثة، حيث طبقتها بعض جامعاتنا منذ سنوات، وتخرجت فيها دفعات ليست بالقليلة. كما تفردت بنظامها «الجامعة الإلكترونية»، وإن اعتمدت في نظامها حضورا جزئيا، ولكن على الرغم من ضعف ضوابطها وتدني جودة خريجيها، كما يذكر، فإننا لا نعلم شيئا عن مستوى قبولهم في سوق العمل الوطني، بل عن مستوى تقييم جودة أدائهم العلمي، ومدى التزامهم بقوانين ونظام دراسي، تُطبق فيه كل معايير ومتطلبات الجودة الأكاديمية التي ما زالت يفتقدها الكثير من الجامعات في أدائها الفعلي بالحضور، فكيف سيكون مستوى مخرجات التعليم الإلكتروني القادمة؟!

اعتمد المركز الوطني للتعليم الإلكتروني على ضوابط ومعايير في منح تراخيص للجامعات السابقة الذكر، والجهات الأخرى التي ستلحق بالركب الإلكتروني. التساؤلات الأهم: ما مستوى إشراف وزارة التعليم ضمن مسؤولياتها الخاصة بالتعليم العالي والتدريب في متابعة تفاصيل تلك المعايير والضوابط، واعتمادها وفق أسس علمية مطلوبة؟ وهل هناك انسجام ما بين توجهات تلك الجامعات والجهات التدريبية في مساراتها التعليمية وبين نظام الجامعات الجديد؟، وما هو دور هيئة تقويم التعليم والتدريب في تقييم مستوى تلك المخرجات؟، وما هي الضوابط والاعتبارات المطلوب وجودها في تلك الجهات؟، وهل هناك تنسيق بين المركز الوطني للتعليم الإلكتروني ووزارة الموارد البشرية في اعتماد مؤهلات تلك الجهات التي منحت تراخيص من قبلهما في سوق العمل والتوظيف؟ وهل شاركت وزارة الموارد البشرية في تحديث لوائحها التنظيمية، بما يتيح توظيف خريجي تلك الجهات وفق مسميات وظيفية مناسبة؟!.

جودة التعليم والتدريب تستند على اعتماد نظام تشاركي وسياسات تعاونية متكاملة بين الجهات المسؤولة عن التعليم والإشراف عليه ومنح رخصة للاستثمار فيه، والجهة المسؤولة عن تقويم التعليم والتدريب في جميع مستوياته ومجالاته من جهة، وبين الجهة المسؤولة عن تنظيم سوق العمل وتيسير سبل التدريب والتوظيف فيه من جهة أخرى.

يستهلك الإنفاق على تطوير التعليم الكثير من مقدراتنا الوطنية، ليست المادية فحسب وإنما يشمل ذلك كل الجهود المختلفة التي تبذل من أجل الارتقاء بجودة التعليم وتحسين مخرجاته، سواء ما يتعلق منها من برامج تطوير وتدريب للمعلمين أو ما يتصل بتحسين البيئة التعليمية وتطوير المناهج وطرق التدريس والتقويم، وغير ذلك مما تحتاجه العملية التعليمية من تغيير وتطوير في السياسات والنظام التعليمي القائم.

اعتماد المركز الوطني معايير وضوابط، تم البدء في تطبيقها أخيرا، لا يخلي مسؤولية وزارة التعليم عن متابعة تفاصيل تلك المعايير، ومدى دقة ضوابطها في ضبط العملية التعليمية بكل محتواها ومتطلباتها المنهجية والأكاديمية والتنفيذية. كما أن حوكمة وتقويم تلك المعايير والضوابط وآلية تنفيذ العملية التعليمية أمر مطلوب من قبل هيئة تقويم التعليم والتدريب، وفق معايير دولية وضوابط مؤسسية مناظرة لها، اعُتمد تطبيقها في العالم المتقدم الذي ما زال يقدم لنا تجارب ناجحة ومدروسة في ذلك المجال.

نعتز ونشيد بوجود جهة مسؤولة عن «التعليم والتدريب الإلكتروني»، لتمنح التراخيص للجهات المعنية بالاستثمار في التعليم، من العام والخاص، وذلك في إطار منظم من الإشراف والمتابعة والمراقبة لمدى توافر إمكانات التقنية المطلوبة، والوسائل الفنية المختلفة التي تمكن من نجاح العملية التعليمية في رسالتها العلمية إلكترونيا، ولكن جميع ذلك يرتبط بالبيئة الدراسية وممكناتها التقنية، والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: هل يكفي ذلك لنجاح التعليم والتدريب الإلكتروني في رسالته العلمية والتنموية أم أن هناك أساسيات معرفية ومنهجية وتقويمية تشكل القاعدة التي ينطلق منها التعليم والتدريب الإلكتروني، ويعتمد عليها في أداء رسالته التنموية بجودة منافسة على المستوى الدولي؟.