وحين نقول إن بعض الشعراء المعاصرين، على اختلاف أجيالهم، تمادوا في استغلال الآفاق الجديدة التي انفتحت على الشعر العربي في ربع القرن الأخير، فإنما نعني أن هؤلاء ومن قلدوهم انصرفوا عن أصالة التعبير إلى تزييفه، وعن بساطته وحرارته وصدقه إلى تعقيده وصبه في قوالب حيادية باردة، يسهل تقليدها، ولذلك نرى سرعة انتشار هذا النوع من الكتابة الشعرية عند المواهب الناشئة التى لو صدقت لأخذت في التعبير عن تجربتها المتواضعة تعبيرا متواضعا، يرتفع مع ارتفاع تجربتها إلى عطاء مكتمل صادق، فالنهضة الشعرية إذن لا تزال في انتظار مواهب جديدة لا تسحقها العوامل الآتية:
-1 طغيان التفكير السياسي والعقائدي السطحي على رؤي المواهب الجديدة وتجسيدها، ويعود ذلك إلى مرحلة التخبط والتلمس والصحو التي نعيشها.
-2 خضوع هذه المواهب بمعزل عن حرية الإنسان وكرامته، ووقوفه وحيدا منفردا أمام الحقيقة واستيحائها والشهادة لها والموت في سبيلها.
-3 ضعف ثقافتها وانغلاقها على منابع الفكر والإبداع الإنساني العالمي، وارتمائها في أحضان النزعات والتيارات المعادية للإنسان وتراثه وحضارته، ويعود ذلك في الأكثر إلى السياسة التعليمية المنغلقة المتلبسة، بحيث تحول دون الطالب وإتقانه ولو لغة عالمية واحدة، وما كان لمثل هذه السياسة التعليمية مبرر لو وضع مشروع عربي موحد مدروس ينقل إلى اللغة العربية، في مدى خمس وعشرين سنة على الأقل، روائع التراث الإنساني، من هوميروس إلى اليوم، فيجعل المكتبة العربية في مستوى مكتبات اللغات العالمية، على أن يبقى لهذا المشروع استمراريته، فيتابع نقل نتاج الفكر العالمي عند صدوره، فهل يعوز العرب مال ورجال، أم يعوزهم الإرادة والوعي ورؤية المستقبل رؤية واضحة ؟!.
1953*
* شاعر وصحافي لبناني «1916 - 1987»