أدت سياسة التتريك التي فرضها الاتحاد والترقي والاستعمار الأوروبي، الذي سيطر على العرب والمسلمين المفضلة لمصطلح Nationalism والتي عملت وفقا لمصطلحات الحرية والديمقراطية، والدستور المشروطية، وفقا للتعبير العثماني، والمساواة التي تمت استعارتها من الفكر الغربي، ولم يتساءل الفقهاء حول مدى شرعية استخدام هذه الأفكار والمصطلحات الغربية، في حياة المسلمين كما أنهم لم يتقدموا بأي بدائل فكرية شرعية، تعين المسلمين على بناء حياتهم، ولمن يبحث عن إجابة عن السر وراء ذلك العجز نقول: إن الفكر السياسي الإسلامي، الذي أخلص له الفقهاء كان يتمحور حول الخلافة التي زالت، وحيث إنه لا يوجد بديل سياسي، كان من الطبيعي أن يصمتوا حتى لا يظهروا عجزهم الفكري من ناحية، ولم يكن بمقدورهم إعلان الموافقة الشرعية على الأخذ من الغرب، لأنه يعد كفرا من ناحية أخرى، فكان أن وقعوا بين المطرقة والسندان، فآثروا الصمت والعزلة في بداية الأمر، ثم انقلبت الحال بعد قيام الأنظمة السياسية الوطنية.
في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، ظهرت جماعة الإخوان المسلمين، التي تفوقت على كل الجمعيات الدينية – الاجتماعية الأخرى في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، منذ أواخر العشرينيات حتى عقد الأربيعنيات، حتى قررت خوض غمار السياسة دون استعداد مسبق من الناحية السياسية، اعتمادا على القاعدة الشعبية التي تم تكوينها خلال الثلاثينات واضطر أتباع الجماعة إلى التعامل مع الصيغة السياسية القائمة، على الرغم من الأفكار السياسية المتناثرة في أدبياتها حول الخلافة، ورفض الحزبية، ولأنها لم تكن تملك ولا تزال تصورات محددة عمليا، لوضع تلك الأفكار موضع التطبيق، حتى جاء سيد قطب رحمه الله فألغى الواقع بجرة قلم، تقليدا لأبي الأعلى المودودي، معلنا جاهلية المجتمع والدولة داعيا إلى إقامة حاكمية الله، فكانت كتاباته المدخل الذي ولج منه الإرهاب الديني في المجتمع العربي.
وظهرت في العالم العربي كتب الاشتراكية الإسلامية، في مصر وسوريا وبأيدي مفكري جماعة الإخوان!! وبعضهم تراجع عنها قبل وفاته، وهذا دليل واضح على التشوش الفكري لدى الجماعة في الجانب السياسي، واحتاج الأمر إلى بعض الوقت لتظهر لنا البنوك الإسلامية في جزر البهاما، والتي تطبق كل المفاهيم الرأسمالية، وتستخدم المال من أجل الحصول على المال، واختلط الحلال بالحرام، باعتبار أنهم يحرمون أنشطة البنوك العادية، ولم يهتموا بحقيقة أن مصدر شرعية وجودهم، يتمثل في قانون الدولة القومية أو الوطنية، التي تتعارض مع مفاهيم دار الخلافة التقليدية، والتي لا تطبق الأحكام الإسلامية!!
اللاوضوح واللاقطعية سمتان أساسيتان في التعامل السياسي لأعضاء التيار الديني، إنهم يدعون إلى إقامة دولة الخلافة، لكنهم في الواقع يتعاملون مع مفاهيم الدولة الغربية.