قال الله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» فالإسلام هو دين الله، وهو كامل ومصلح للعباد والبلاد في دينهم ودنياهم، وكل من دان لله بغيره فهو خاسر، قال تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين».

فالإسلام عدل كله، وسماحة كله، وهو بريء من انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، الذين يريدون تمرير باطلهم بنسبته إلى هذا الدين القيّم «الإسلام».

إنه لا يصح أن يُنسَب فعل الخوارج، الذين يشقون عصا الطاعة، ويخرجون على ولاة أمور المسلمين، ويسببون الفتن، لايصح أن يُنسَب فعلهم إلى الإسلام فيُقال «الإسلام السياسي» هذا تزكية لهم، وجناية على الإسلام، كيف ينسب فعلهم إلى الإسلام؟ والإسلام كما هو معلوم، ينهى عن الفتن وشق عصا الطاعة والخروج على ولاة أمور المسلمين.

لماذا لا يُسَمَّون بما سماهم به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقال:الخوارج المارقون، لقوله عليه الصلاة والسلام «يخرجون من الدين» و «يمرقون من الإسلام»، وقد تعامل الصحابة مع الخوارج ووصفوا جناياتهم بالخروج، ولم يصفوا ذلك «بالإسلام السياسي» وحاشاهم أن ينسبوا للإسلام تجاوزات الخوارج.

كما أن بعض الذين يتبعون الشهوات وينشرون الشبهات، يريدون إبعاد الدين الإسلامي عن الحكم بزخرفٍ من القول، ويقولون لا علاقة للدين بالسياسة، ولذلك رأيناهم يدعون للثورات، فهم في الحقيقة متفقون مع الإخوانيين، وسائر المنحرفين، في الإعراض عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

إن دعوتهم لإبعاد الدين عن السياسة، تُفضي إلى أن البيعة والإمامة والسمع والطاعة لولاة الأمور، لا علاقة لها بالعقيدة التي ندين لله بها، ولذلك اخترعوا هذا المصطلح «الإسلام السياسي»، ليقولوا لمن يتعامل مع الحاكم وفق مقتضيات العقيدة، أنت صاحب إسلام سياسي، وهذا من المكر السييء.

ونحن نسألهم: أليست البيعة لإمام المسلمين، والسمع والطاعة له بالمعروف، وعدم الخروج عليه، وعدم منازعته في الأمر فيما يراه محققا لمصالح البلاد والعباد، من اتفاقات ومعاهدات وصلح مع غير المسلمين وغير ذلك، أليس ذلك دينا وإيمانا، ومنازعة ولي الأمر في ذلك فسق ونفاق، يأثم به الإنسان؟

ألم يأت في صحيح البخاري قول النبي عليه الصلاة والسلام: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء» ؟ فمن المستفيد من فصل الدين عن ذلك؟ وهل يصح مقابلة تجاوزات الإخوان وغيرهم من الحركات السياسية التي تنازع الأئمة، وتستغل الدين لمآرب سياسية، هل يصح مقابلة تجاوزهم بتجاوز آخر، وهو تنحية الدين عن السياسة ؟!

قال شيخنا ابن عثيمين: «السياسة من الدين، ولكننا نريد بالسياسة السياسة العادلة دون السياسة الجائرة. وأستدل على ما أقول، بأن الدين الإسلامي جاء لإصلاح الناس في معاملاتهم فيما بينهم وبين ربهم، وفيما بينهم وبين العباد، وجعل لله حقوقاً، وللعباد حقوقاً، للوالدين والأقربين والزوجات والمسلمين عموماً، وحتى غير المسلمين جعل لهم الإسلام حقاً معلوماً، وجعل للحرب أسباباً وشروطاً، وللسلم أسباباً وشروطاً، وجعل للجرائم عقوبات بعضها محدد، وبعضها موكول إلى رأي الإمام، إلى غير ذلك... ونحن نجزم أن كل من فصل السياسة عن الدين، وبنى سياسته بما يراه هو وما تهواه نفسه، فإن سياسته فاسدة... ويدل على ذلك التأمل في أحوال هؤلاء، الذين بنوا سياستهم على أهوائهم وآرائهم، وصاروا مبتعدين عن الدين الإسلامي، يجد المتأمل أن هذه السياسات كلها فساد أو غالبها فساد، وأنها إذا أصلحت جانباً أفسدت جوانب. وعلى هذا نقول: إن فصل السياسة عن الدين أمر خاطئ، وأن الواجب لمن أراد أن يصلح نفسه ويصلح غيره، ألا يسوس أحداً إلا بمقتضى الدين الإسلامي».

إن الممنوع هو: تدخل الرعية في تصرفات الراعي، لأنه مُطلِّع على أوضاع الرعية والدول، وعالمٌ بما يصلح البلاد والعباد، فهو أعلم منهم، ويسوسهم بشرع الله، ولذلك نهانا الشرع عن منازعته، وقد حُمِّل تحقيق المصالح، ودرء المفاسد، ونحن حُمِّلنا السمع والطاعة له بالمعروف، ومعاونته، وعدم منازعته، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم» رواه مسلم.

ومن توفيق الله لولاة أمرنا أعزهم الله ونصرهم وأدام حكمهم، أنهم جعلوا الحكم يستمد سلطته من الكتاب والسنة، فقد جاء في المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم مانصه: «يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة».