في وقت تعاني معظم مناطق العالم التي تشهد تعددية مذهبية شدًا وجذبًا وتنافرًا، وتحول تلك التعددية أداة تمزيق للشمل، ومعول هدم في جدران التماسك، قدمت المملكة نموذجًا مختلفًا للتعايش، رسخ مفهوم المواطنة الصادقة، وبرزت بعض مناطقها، مثل نجران لتكون مثالًا حيًا على النسيج الاجتماعي متراص الصفوف والبنيان.

وشكل التعدد المذهبي في المنطقة ثروة علمية وفقهية وثقافية واجتماعية، خصوصًا مع اليقين أن تلك المذاهب تشترك في خصائصها الأساسية ومفاهيمها الرئيسة، وأسهم الوعي الذي تمسك به الجميع، في صياغة علاقة سليمة بين أهل المذاهب الإسلامية مع بعضهم بعضًا، أساسها الاحترام والفهم المتبادل.

تعاقب الحضارات

قال عضو هيئة حقوق الإنسان السابق، العقيد متقاعد علي حسن آل مستنير «عُرفت نجران تاريخيا بتعاقب وتعايش الحضارات والأديان السماوية، وقديما وصل الرومان إليها، فدوّن مؤرخهم إسترابو قصتهم، وسكنها السبئيون والمعينيون والحميريون، فنقشوا آثارهم في كل مكان على جبالها، وعاش فيها النصارى، حتى أجارهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وملتهم وأموالهم، وثبت كل أسقف على أسقفيته، وكل راهب على رهبانيته، كما مرّ منها الإمام علي أبن أبي طالب رضي الله عنه، فأسلمت همدان على يديه في يوم واحد، فسجد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام شاكرا لله، وجاء إليها الإمام الشافعي قاضياً بأمر الخليفة هارون الرشيد، فانتشر المذهب الشافعي، وقدم إليها الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي، فانتشر المذهب الزيدي، إضافة إلى انتشار المذهب الإسماعيلي عن طريق الصليحيون الفاطميون، وعندما تم توحيدنا جميعا في هذا الكيان الكبير الذي نعتز به، ونؤكد انتماءنا وولاءنا لقيادته، على يد موحدنا الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، تنعم نجران بكونها بيئة تعايش، تتجاور فيها الأطياف الثقافية المختلفة، وتتوحد تحت راية وطن واحد يسوده الوئام والسلام بين الجميع».

تآلف مذهبي

أكد حسين آل طالب الشريف، أنه «مع قيام هذه الدولة المباركة، وضعت جميع رعاياها بمختلف انتماءاتهم القبلية والمذهبية في مستوى واحد من الاهتمام والتعامل، واحترمت كل المكونات الاجتماعية، ولعل منطقة نجران التي يتواجد بها أكثر من مذهب تمثل نموذجًا جميلًا لسياسة المملكة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز اليوم، حيث التعايش والتكامل بين أبنائها من اتباع المذاهب المتعددة، يجمعهم دين الإسلام، وحب الوطن والقيادة».

وأضاف «الإسلام يجمعنا والوطن يحتوينا، ونجد في نجران المصاهرة بين الزيدي والإسماعيلي والحنبلي والشافعي، والمساجد المشتركة، ومشاركة أتباع المذاهب بعضهم بعضا في مناسبات الأفراح والأتراح، بكل تآلف ومحبة، ويوجد في القبيلة الواحدة والعائلة الواحدة وفي البيت الواحد، من ينتمي إلى المذهب الزيدي أو الإسماعيلي أو الحنبلي أو المالكي أو الجعفري، يعيشون تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقناعتهم أن الدين لله والوطن للجميع، وهكذا تحقق التعايش والاحترام المتبادل بين جميع الأطياف، وتوحيد الهدف لخدمة الدين والملك والوطن».

المتقاعدون نموذجًا

يقول خالد عبدالله الزكري «قدمت أسرتنا من منطقة الرياض إلى منطقة نجران منذ أكثر من 90 عامًا، ونجران تجمع عددًا كبيرًا من القبائل داخلها وخارجها، ولم نشعر بالاختلاف المذهبي لما وجدناه من ترابط اجتماعي وتكاتف وروح مبادرة، وعدم السماح بالتجاوزات، حيث يختلط الجميع في المناسبات والأفراح، ويتشاركون في المواساة خلال الأحزان، ويتبادلون الزيارات، ما جعل المجتمع النجراني بمثابة الجسد الواحد المزروع بالحب والاحترام والتقدير الناجمة عن وطنية صادقة وانتماء وطني، وهناك أمثلة كثيرة للموظفين الذين تقاعدوا من أعمالهم، لكنهم بعد التقاعد لم يعودا إلى مساقط رؤوسهم، بل فضلوا البقاء مع عائلاتهم والعيش في نجران».

رجل واحد

علق المستشار سالم مطير اليامي قائلا: عبارة الوطن عديل الروح واحدة من العبارات التي الفناها في منطقة نجران، ولعله من تعظيم الوطن والإعلان من شأنه أننا في طول الوادي وعرضه نسمي قرانا بالأوطان، ومفردها وطن، ويقال وطن آل أبو فلان أو الوطن الفلاني ويذكر اسمه، وبطبيعة الحال تتعدد الأسماء، أسماء الأوطان وكأنها تختزل فيها جمعًا الوطن الصغير نجران، والوطن الأكبر، والأشمل بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، في نجران هناك صورة الوطن الواحد، والإنسان الواحد، والرجل الواحد، والحقيقة أن أهل الوطن وأهل الوادي ممكن وبطريقة عالية المرونة أن يندمجوا في صورة رجل واحد يؤدون مهمة واحدة، لدى غيرهم من القبائل والتجمعات البشرية المجاورة مما يرتبط الإنسان النجراني بعادات وقيم ومثل مستمدة من الشيم والأخلاق الكريمة وقبل كل شي من أهداف الدين الإسلامي الحنيف.

أمن واستقرار

أضاف اليامي: الإنسان في هذه البقعة الغالية من وطننا العزيز إنسان فاعل، ونشيط، ومتعاون. اعتاد أن يسهم مع من حوله في مواجهة الحياة. بدءً من حرث الأرض وزراعتها، وليس انتهاءً بحفر آبار الحياة وسط كثبان الرمال، وبناء البيوت ودور السكن، البعد التعاوني، التعايشي، العابر لكل الفروقات كان سمه نجرانية خالصة. هذه السمة لم تفارق الناس، الوطن اليوم أصبح قيمة للإنسان السعودي على وجه العموم، وهذه القيمة ترسخها الجهود الرسمية المبذولة بسخاء من قيادة هذه البلاد الرشيدة، التي تظلل الجميع بسخاء البذل والتوجيه، والمشورة، وبقيادة سفينة الوطن وسط صعوبات إقليمية ودولية، وبصفة عامة الناس في المملكة العربية السعودية اليوم، ينظرون لأنفسهم وينظرون للعالم حولهم، من خلال ما يتمتعون به من أمن ورخاء واستقرار بفضل الرعاية الحكيمة والخطط الرشيدة لقيادة هذه البلاد، وللأعمال الجليلة التي تقدمها القيادات المحلية في كل منطقة، ممثلة بأمراء المناطق، الذين يرسخون قيم المواطنة ورفعة الوطن وصيانة أمنه في كل مناشطهم.

رغد العيش

قال رجل الأعمال هادي بن بنيان آل عامر:نحن في المملكة العربية السعودية نعيش ولله الحمد في نعم عظيمة، أمن وأمان، وسلامة وإسلام، ورغد عيش واطمئنان، وهذا بفضل الله عز وجل ثم بفضل قيادتنا وحكومتنا الرشيدة، التي تبذل الغالي والنفيس في سبيل راحة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ونحن ولله الحمد شعب واحد وصفّ واحد ونسيج واحد، ففي منطقة نجران نرى الوطنيّة الصادقة والمحبة والتسامح والإخاء والتآلف بين أفراد المجتمع، والاحترام المتبادل مع وجهات النظر المختلفة، والتعامل الإيجابي مع الجميع بدون استثناء، والبعد عن كل ما يثير الضغائن والفتن، فالشكر لله أوّلًا وآخرًا، ثم الشكر لحكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، كما أنوه بدور أمير منطقة نجران ونائبه، على ما يبذلونه من جهود ملموسة في سبيل وحدة الصف، واجتماع الكلمة، ونشر وعي وثقافة المحبة والتآخي والتآلف ومحبة الخير للجميع، وما نحن إلا نسيج واحد في هذا البلد المعطاء، وجزء لا يتجزأ من مملكتنا الغالية.

وحدة الصف

أكد محمد حمد آل هتيلة، أن هذه الدولة أعزها الله، قامت على جمع أشرس القبائل وأشدها ووحدتهم وأصبحوا عند النوائب كرجل واحد، ويعد نجران نموذج رائع في تعايش كل المذاهب الإسلامية المتواجدة، نتزاوج ونتعاون وكلنا يعزي الآخر ويتألم لألمه، وعند الحمول الثقيلة نكون كلنا يد واحدة مرفدين ومسترفدين، والشواهد على ذلك كثيرة جدًّا، فأهل نجران لا تفرقهم المذاهب ولا تشتتهم المشارب، وفي عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، يزيد تماسكنا وتلاحمنا، في هذا الحد الجنوبي الغالي من الوطن المعطاء.

الحوار الوطني

مدير فرع مركز الحوار الوطني بمنطقة نجران راشد بن محمد آل منجم، عبر قائلا: ظلت نجران ومازالت أرضًا خصبة للتعايش والتسامح بين جميع مكوناتها، مرتكزة في ذلك على ارث تاريخي ومخزون حضاري ضارب في الجذور كبقية مناطق المملكة، معتمدة على تاريخ هذه البلاد الطاهرة منذ عهد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز، وحتى وقتنا الحاضر برعاية واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، وحكمة أمير منطقة نجران ونائبه، حيث يسعى المركز إلى تعزيز اللحمة الوطنية، وذلك بمشاركة المفكرين والعلماء والمثقفين والإعلاميين والدعاة والشباب من النساء والرجال، وتهدف هذه الشراكات إلى تعزير قيم التعايش والتلاحم الوطني من خلال الحوار، لترسيخ ثقافة الحوار ونشرها بين أفراد المجتمع بجميع فئاتهم، بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي من خلال التواصل الفاعل والشراكات المثمرة، وفي هذه المنطقة التاريخية ننعم بوجود قاعدة تعتمد على نبذ الجهوية والمذهبية والقبلية، وإعلاء الشأن الوطني فوق المصالح الذاتية والفئوية الضيقة.