هل يعتبر الكاتب ممثلا للمجتمع لدى المسؤول، أم ممثل المسؤولين لدى المجتمع، وهل دور الكاتب ينحصر في دوره التقليدي وبعبارة مهنة المتابع، ومغامرات بلا قضية، الهدف عملية إلهاء عقلي وكسب عاطفي؟. وهل الكاتب يخرج أسنان قلمه ليقضم إنجازات المؤسسات والأشخاص ويركز على قصورها، أو يكون مبررا لأعمال تلك المؤسسات والأشخاص، ويصبح موظف علاقات عامة؟.

هذه التساؤلات تقودنا لمعرفة التصور العام لدى المجتمع عن الكاتب، والذي تكون من خلال كثير من الكتابات، لكثير من محترفي القلم.

فقد أصبح هذا التنميط معلب الفهم في وجهين، هما، أن الصورة العامة لدى المجتمع تكونت بأن يكون الكاتب إما ناقداً أو مادحاً في الطرح، وإما مع الغالبية من الجمهور أو مع القلة من المسؤولين. ولكن حقيقة الكاتب أبعد من هذا الأمر، وإن كان جزء من مهام الكاتب أن يتحدث باسم المجتمع، ولكن لا بد في الوقت نفسه أن يكون صاحب مشروع نهضوي فكري أو اقتصادي أو اجتماعي أو تطويري عملي، متى ما سنحت له الفرصة، وأن يضع ذلك في معادلة التطبيق الواقعي. رؤية الكاتب للمجتمع يستقيها من الانعزال النسبي عن المجتمع، ومقارناته بين صفحات التاريخ الماضية والحاضرة، فهو يحاول أن يشخص حالة المجتمع من خلال الأفكار التي تتدفق من مخيلته، وبحثه عن بذور الحكمة التي يحاول أن يغرسها في عقول المجتمع، فالحكمة تولد في صمت الكتابة، كما يقول البعض، لأنها تبنى في صفاء الذهن، لتخلق إبداع التطور في شتى المجالات. ولعلنا نسوق بعض الأمثلة لمن مارسوا مهنة الكتابة بمنهجية بناء الأفكار والمشاريع، فمنهم الكاتب والروائي الروسي الشهير دوستويفسكي، من أعظم الكتاب العالميين، كان صحفيا وكتب روايات وقصصا قصيرة، ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، ومن أشهر أعماله الروائية: الأبله، الإخوة كارامازوف. وأيضا الكاتب والشاعر الإيطالي دانتي أليغيري، وهو شاعر ومفكر وسياسي ومنظر أخلاقي، صاحب واحدة من أهم وأعظم الملاحم الشعرية في التاريخ وهي «الكوميديا الإلهية»،التي تتكون من 100 قصيدة مقسَّمة إلى أجزاء ثلاثة: الجحيم، المطهر، الجنة. كان لديه تأثير كبير في بناء الهوية الإيطالية، ويعتبره البعض أبا للغة الإيطالية، فقد حمل هذا الكاتب هم الهوية الإيطالية وترسيخها في عقول الجماهير. أيضا العالم الإيطالي ويلفريدو باريتو، عالم الاجتماع الشهير والاقتصادي، وهو واحد من مؤسسي نظرية النخب، التي بموجبها المجتمع له شكل هرمي، في الجزء العلوي من الهرم «النخبة» التي تحدد إلى حد كبير حياة المجتمع ككل. أيضا ابن خلدون عالم الاجتماع العربي، الذي استطاع أن يقدم منهجا في فهم المجتمعات وسياسة الدول. كل هؤلاء الكتاب في العصر القديم أو بعضهم في العصر الحديث، أمثال نعومي تشومسكي وفوكو ياما صاحب كتاب «نهاية التاريخ»، استطاعوا أن يقدموا منجزاتهم العلمية أو الأدبية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بعيداً عن النقد غير المثمر، أو المديح المترنح بين الحقيقة والواقع. وسواء اتفقنا أم لم نتفق مع أطروحاتهم فليس هذا هو بيت القصيد، فبيت القصيد، أن الكاتب مارس الدور العميق لعمله، وهو تقديم مشروع تطويري ليخدم مجتمعه بشكل إيجابي وفاعل. الكاتب الذي يحكم على نفسه بنقد الأعمال دون إنجاز ملهم، هو أشبه ما يكون بمن يلاحق السراب في الكمال، فلن يجد الكمال مطلقا، ومن حكم على نفسه أيضا بالمديح الناقص فهو أشبه بمن عطل حركة التقدم والتطور.

الدور الحقيقي للكاتب هو أن يغرس ثمار الحاضر بذورا للتقدم نحو المستقبل، ويقدم لبنة وعجلة تبنى عليها العربة التي تقود المجتمعات.