ما صرح به المتحدث الرسمي لوكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية في المملكة، قبل أيام عن إمكانية قيام الفتاة الراغبة بتغيير اسمها متى ما بلغت سن الثامنة عشرة من العمر، يعتبر حلقة جديدة في سعي الحكومة السعودية إلى إعطاء مزيد من الحرية والثقة بالمرأة، وعلى الرغم من بساطة الموضوع، فإن له أهمية بالغة على المستوى النفسي للمرأة السعودية، التي تظهر يومًا بعد يوم مدى ثقة حكومتها بها.

ومن هذا المنطلق وللدخول على مقالة اليوم، شدني معنى متنور وعميق في تغريدة على «تويتر» للأخت الكريمة (@R_rasha188)، كتبتها قبل عدة أيام تقول فيها: «مشكلة النسويات الثوريات اليساريات أنهم يختزلون اضطهاد المرأة في علاقتها بالدولة والسلطة، وليس بمكانة المرأة في المجتمع أو الدين، لذلك مناهضتهم للدول والحكومات تخليهم يتحالفون حتى مع أعدائهم ويطالبون بإطلاق الإرهابيين والجهاديين من السجون ويرتمون بحضن معارضة إسلامية وإخوانجية»، وكأنها تشير إلى أن العوائق تأتي من المجتمع، والتفسير البشري للدين، الذي أصبح دينًا موازيًا بحد ذاته، كوَّن عقل ذكوري يمارس الإقصاء والقمع على كل ما له علاقة بالمرأة.

والعقلية الذكورية تلك، والتي تسمح لشاعر كنزار قباني بتوظيف أعضاء المرأة في قصائده، وتصفه جراء ذلك بالشاعر المبدع، وتنظر في نفس الوقت بازدراء واحتقار كبيرين للأديبة التي توظف أعضاء الذكور في رواياتها، وتصفها بالفاجرة، لأنه فقط مناقض للصورة النمطية للأنثى، والتي تفرض العقلية الذكورية، وضعها في إطار محدد، ثم تبنتها النساء رغمًا عنهن، هي سر بلاء المرأة، وأصله.

وحال النسوية منذ القرن الثامن عشر حينما بدأت التحرك لتنفيذ فكرة حقوق النساء، وهي تنجز نصف المنجز فقط، ثم تعاود الكرة مرة أخرى للبدء من جديد في إعادة إنجاز المنجز، والوصول إلى المنتصف، ثم العودة مرة أخرى، وهكذا دواليك حتى يعطي الذكر يدًا بالتقدم خطوة إضافية إلى الأمام، وهنا من النافع أن تعرف النساء أن المجتمع والأعراف والتقاليد هي ما يشدهن إلى الوراء، وعلينا أن نهيئ النساء، وأنفسنا، لكسر هذه القيود التي عطلت نصف المجتمع لعقود، وتعطل إنسانًا مكتمل الإنسانية والأهلية، وهو المرأة.

وأعود إلى قديم التاريخ فأقول: شكَّل خروج المرأة من نطاق العمل المنزلي والزراعي إلى مجال العمل الصناعي نقلة نوعية هائلة في أوضاع النساء الغربيات، إذ بدأت تتشكل تحركات نسوية اتخذت شكلًا جماعيًا، متأثرة بأفكار الثورة الفرنسية، والأفكار الاشتراكية والماركسية.

وتشير «شيلا روبتهام» في كتاب «الثورة والتحرر»، إلى أن أول تمرد نسوي على الظلم الواقع على النساء حدث في أوروبا كان في القرن الثالث عشر، ثم توالت حركات التمرد منذ ذلك الحين في شكل محاولات فردية وجماعية، لكنها متفرقة ومبعثرة، تحدت فيها النساء سلطة الكنيسة والإقطاع، وتصدين لمحاكم التفتيش، وقد أعدم وأحرق العديد منهن، متهمات بالسحر والشعوذة والهرطقة، وخاض العديد منهن في القرنين السادس عشر والسابع عشر نضالًا واضحًا عن حقوق المرأة في الحقلين الثقافي والاجتماعي. وقد طرح مصطلح النسوية لأول مرة في عام 1860، ثم طرح في القرن العشرين بقوة في أمريكا، بينما طرح في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وازدهر في فرنسا إبَّان الستينيات والسبعينيات.

ويعرف معجم Hachette النسوية بأنها: «منظومة فكرية أو مسلكية مدافعة عن مصالح النساء، وداعية إلى توسيع حقوقهن»، أما معجم Webster فيعرفها على أنها: «النظرية التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتسعى كحركة سياسية إلى تحقيق حقوق المرأة واهتماماتها وإلى إزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه المرأة»، وتعرفها سارة غامبل في كتابها «النسوية وما بعد النسوية»، بأنها: «حركة سعت إلى تغيير المواقف من المرأة كامرأة قبل تغيير الظروف القائمة وما تتعرض له النساء من إجحاف كمواطنات على المستويات القانونية والحقوقية في العمل والعلم والتشارك في السلطة السياسية والمدنية». ومرت النسوية بثلاث موجات، الأولى: هي موجة المطالبة بحقوق التعليم والعمل وحقوق المرأة المتزوجة بالملكية وحضانة الأطفال، وحق الاقتراع، ويؤرخ لهذه الموجة من ظهور كتاب ماري ولستون كروفت «دفاعًا عن حقوق النساء» في 1792، والذي ناقشت فيه نظرة المجتمع للمرأة، وأوضحت فيه مدى احتياج النساء إلى العائد من التعليم، وقد حاولت هذه الموجة التصدي لكل الأفكار السلبية عن المرأة في التراث اليهودي والمسيحي، وكون المرأة أصل الخطيئة، كما ناقشت صورة المرأة في أعمال ومواقف العديد من المفكرين والفلاسفة الغربيين، وقد أدت تلك المراجعات النقدية للأطر والمناهج العامة للفكر الغربي إلى بلورة أطروحات نسوية جديدة، أثبتت أن النظرة الدونية للمرأة هي نتاج تأثير الثقافات السائدة، التي لا تمتلك أي جذور أو مصادر تستند عليها.

أما الموجة النسوية الثانية: والتي تؤرخ بدايتها من بداية نشاطات الحركة النسوية الممتدة بين 1960 وحتى نهايات القرن العشرين، وفي هذه المرحلة بدأت الحركة النسوية تأخذ طابعًا عالميًا يشمل المرأة في جميع أنحاء العالم، وفيها تجاوزت مطالب المساواة واعتمدت النقد العقلاني، وظهرت فيها تيارات ومذاهب عديدة، اعتمدت لغة التحرر من القمع السياسي والاجتماعي والجنسي، حيث ركزت الموجة الثانية على إعادة تشكيل الصورة الثقافية للأنوثة بما يسمح للمرأة من الوصول إلى النضوج واكتمال الذات أي تحقيق الأنوثة، وانقسمت الحركة النسوية في هذه الموجة إلى تيارات ومناهج عدة، تشير أغلب الدراسات إلى أربعة رئيسية منها هي: النسوية الماركسية، النسوية الليبرالية، النسوية الاشتراكية، النسوية الراديكالية، وتضيف بعض الأبحاث تيارات أخرى، غير أن النسوية الاشتراكية، والليبرالية، والماركسية تشكل أكثر من 80% من الحركات النسوية، كما أن مطالب النسوية متشابهة ومتقاربة بشكل عام، لأنها بمجملها مطالب حقوقية إنسانية، ولكن لكل تيار فكر وأيديولوجيا خاصين به، هذه الأيديولوجيات أحالت الهم النسوي وغايته البيضاء، إلى سواد كالح بسبب تفتت الهم من المطالبة بالحق المشروع إلى تطبيق الأيديولوجيا وتقفي أثرها في الفكر النسوي الجديد، بل وظهرت بعد السبعينيات وهي قمة فوران الموجة الثانية مسألة التنظير للفكر المثلي عبر تیار جديد سمي تيار النسويات المثليات، رأى أن التمييز بين الرجل والمرأة يتبلور بشكل أساسي في العلاقات الجنسية بينهما، ولمحاربة هذا التمييز ينبغي اجتثاث الجذر، وهو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وخلق علاقات مثلية يكون الطرفان فيها متساويين، امرأة مكتفية بامرأة جنسيًا.

وللحديث بقية، مع الموجة النسوية الثالثة، في المقال المقبل، إن شاء الله.