الخيانة للدولة جريمة عظمى، وهي منافيةٌ لصحيح الاعتقاد، ومنافيةٌ كذلك للرجولة والكرامة، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة ومعلومة.

بل وحتى غير المسلمين يحتقرون من يكون أداة لهم في خيانة بلاده وقيادته، ومن ذلك أن نابليون لمَّا لم يستطع اقتحام النمسا بحث عن جاسوس من أرض خصومه، ليكون له أداة ضد وطنه، فوجد رجلا نمساوياً خائناً لوطنه، فاستخدمه لمصالحه، فلما انتصر نابليون ووضعت الحرب أوزارها، قدم الجاسوس للسلام على «نابليون» ومصافحته، فرمى له نابليون بصرة نقود، وقال: أما المصافحة فلا، فإنه لا يشرفني أن أصافح من خان وطنه، وقال لجنوده: مثل الخائن لوطنه، كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه، ولا اللصوص تشكره.

فما بالك إذا كانت الخيانة صادرة من مواطن لوطنه المملكة العربية السعودية، الذي لا نظير له في الأوطان، فهو مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وفيه الحرمان الشريفان، وإليه يتوجه المسلمون لأداء ركنين من أركان الإسلام، وهما: الصلاة، والحج؟

وما بالك إذا كانت الخيانة ضد قيادة المملكة العربية السعودية التي نصرت التوحيد، وجمعت الكلمة، وألّف الله بها بين القبائل، وجعلها سببا للأمن والإيمان ورغد العيش، وهي قيادة ضاربة في التاريخ، فمنذ ثلاثمائة سنة وهي تحكم بالكتاب والسنة، وتبذل الغالي والنفيس في سبيل راحة المواطن وأمنه واستقراره ورغد عيشه؟

إن العقيدة الصحيحة، والرجولة والكرامة، تقتضي أن نكون مع وطننا «المملكة العربية السعودية» وقادتنا «آل سعود»، سِلْماً لمن سالَمَهم، وحرْباً لمن حاربهم، فلولا الله ثم هم ما كان لنا قيمة بين الدول، ولَمَا كنا في رغد من العيش، واستتبابٍ في الأمن، فلزومنا لهم هو في صالحنا، ومنابذتهم سبب لتسلط الأعداء علينا.

وبحمد الله تعالى فإن ولاء شعب المملكة العربية السعودية لقيادته ووطنه كبير ومُشرِّف، ويدل على ذلك موقفهم تجاه ما سُمي بالربيع العربي، فقد قام الخطباء في المساجد، والدعاة، والأساتذة، والكتّاب، والعوام، مع دولتهم، وحذروا من الفتن والثورات التي هي الخروج على ولي الأمر.

ولما رأى أعداء الإسلام هذا التلاحم بين الراعي والرعية ساءهم ذلك أشد الإساءة، فصاروا يبحثون عمن يكون أداة لهم ضد وطنه وقيادته من ضعفاء العقول، ويدعمونه، ليحقق لهم أغراضهم، وإذا انتهى دوره، رموه في الطريق، وقالوا أميطوا الأذى عن الطريق، فقد انتهت مهمته.

وأعداء الإسلام يفرحون بمن يكون معهم ضد وطنهم وقيادتهم، فهذا مسلكهم منذ عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما في قصتهم مع كعب بن مالك رضي الله عنه، فقد عرضوا عليه أن يسافر إليهم ليكون معارضا لمجتمعه وبلده وإمامه، مستغلين في ذلك هجره من مجتمعه بسبب خطئه، لكنه رضي الله عنه لكمال عقله وقوة إيمانه، حرّق خطابهم، وقال هذا من البلاء، كيف أكون مع أعداء الإسلام، فصبر ولزم جماعة المسلمين وإمامهم، فكان عاقبة ذلك الإشادة به وصاحبيه في آيات تتلى في سورة التوبة.

فكون الإنسان يرى ما يكره، أو أن طلباته لا تُحقق، أو أنه يُعفى من عمله، لا يجيز له أن يعارض بلده وقيادته، ويكون في صف الأعداء، إنه لا يفعل ذلك إلا فاسد العقيدة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (مَن رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية)، وفي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام ( ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم... وذكر منهم: ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له). وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام:(لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)، وأي غدر وخيانة أعظم من أن يرتمي الإنسان في أحضان الكفار ضد دينه ووطنه وقيادته.

والمأمول ممن سوَّلت له نفسه الأمارة بالسوء، وزيَّن له جلساء السوء والفتن، فزلّت قدمه في خيانة بلده وقيادته، المأمول منه: أن يتوب إلى الله ما دام على قيد الحياة، فالتوبة تجب ما قبلها، ولن ينفعه مستخدموه من أعداء الإسلام ولا شعاراتهم الحقوقية، التي هي سراب كاذب، وطعم مدمر، يسوقهم إلى الهاوية، وليعلموا أن الوطن والقيادة متلازمان ولا قيمة لأحد بدونهما، ما كتبته ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين. وقد قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).