اشتهر ملوك وأمراء دول الخليج العربية منذ وقت طويل بصفات قيادية فريدة ميزت شخصياتهم عن سواهم من الحكام والرؤساء، في مقدمتها الحكمة والصبر والرؤية السديدة وبُعد النظر، والنظرة الثاقبة التي ترى الشيء فلا تخطئه، إضافة إلى القدرة على التمييز بين الأشياء حسب حقائقها. ولم يكن اكتساب القادة الخليجيين لتلك الصفات من قبيل الصدفة أو ضربات الحظ، بل يعود السبب فيها إلى البيئة العربية الأصيلة التي نشأوا فيها، وطريقة الحياة التي عاشوها والظروف المناخية التي تحيط بمنطقتهم، التي على الرغم من قسوتها إلا أنها أكسبتهم فضيلة الصبر والقدرة على التعايش مع كافة المؤثرات.

في مقدمة هؤلاء القادة يبرز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي يتمتع بشخصية قيادية قلّ أن توجد في سواه، عطفا على الصفات الفريدة التي يجمعها، فهو إلى جانب حكمته البالغة وبصيرته النافذة وسعة أفقه والخبرة السياسية الثرية التي اكتسبها خلال سنوات عمره الطويلة في العديد من المواقع التي تبوأها، فإنه يتمتع بشخصية توفيقية متميزة، تأخذ الأمور من جانب وسطي، ويجنح إلى جمع الكلمة ولم الشمل، ويسعى بكل ما أوتي من قوة إلى توحيد الصفوف ونبذ الفرقة والشتات، ويبذل كل جهد ممكن لرص الصفوف وتقريب المسافات.

كل تلك المزايا انعكست على شخصيته وأكسبتها كاريزما هائلة، تتيح له القدرة على النفاذ إلى دواخل من يتعامل معها بكل سلاسة وسهولة، فتكتسب تقديره وتنال احترامه، لذلك لم يكن غريبا أن ينال هذا القدر الكبير من الإجماع على محبته والتعامل مع وجهات نظره وآرائه بكل تقدير واهتمام.

وظل الملك سلمان على الدوام يولي دول مجلس التعاون الخليجي جلّ اهتمامه، ويبذل غاية جهده للحفاظ على وحدتها وصيانة مصالحها والدفاع عنها ضد أي محاولات لتعكير صفوها. ويستخدم مكانته المتميزة في قلوب قادتها للمساعدة في التغلب على أي خلاف يطرأ أو تباين في وجهات النظر. وخادم الحرمين الشريفين عندما يفعل ذلك فإنه ينطلق من قناعات راسخة بأنه لا سبيل أمام هذه الدول لمواصلة رحلة الإنجاز والتميز التي قطعتها والنهضة التي حققتها إلا عبر طريقة واحدة هي الحفاظ على التقارب ونبذ الخلافات والعمل الدؤوب الجاد لتفعيل كل أدوات التعاون والتنسيق المشترك.

الحاجة لتبني هذه الرؤية تزداد مع الظروف التي تعيشها بعض الدول المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط من اضطرابات أمنية وصراعات مسلحة برزت نتيجة للسياسات العدائية للنظام الإيراني الذي تسبب في إيجاد حالة من عدم الاستقرار وظهور تيارات إرهابية، ومحاولاته المستمرة للتدخل السالب في شؤون دول الجوار عبر ميليشيات طائفية ارتضت العمالة على حساب أوطانها، فدمرت مقدراتها وأضاعت مكتسباتها.

لذلك فإن رؤية الملك سلمان لتحقيق التقارب الخليجي تستلهم هذه الحقائق، وتضع في الاعتبار الوشائج التي تجمع بين قادة وشعوب الدول الخليجية، والروابط التي تجمعهم، والجذور التي يرجعون إليها، فهم في الأصل إخوة وأشقاء يعيشون في منطقة واحدة، تربطهم صلات القربى والنسب، ويجمعهم اللسان الواحد والدين المشترك والعادات والتقاليد وأسلوب الحياة المتشابه، والمستوى المعيشي المتقارب لذلك فإنهم يدركون جليا أن مصيرهم واحد، وأن ما يحدث في أي دولة من الدول الست، إيجابا أو سلبا فإنه لا شك سوف ينعكس - عاجلا أو آجلا - على بقية الدول.

ويبرز اهتمامه - حفظه الله - بمصير دول الخليج وحرصه على مصالحها في الرؤية التي قدمها خلال العام الأول لتسلمه مقاليد الحكم، وهي رؤية شاملة وطموحة لتحقيق التكامل الخليجي، وإرساء عناصر الوحدة، وإنزال المخرجات التي تم التوصل إليها في قمم سابقة على أرض الواقع استشرافا لغد أفضل، في وقت يتجه فيه العالم أجمع نحو التكتلات الاقتصادية والسياسية، وهي الرؤية التي صادق عليها قادة دول المجلس في قمتهم التي استضافتها الرياض في ديسمبر 2015، وأكدوا في بيانهم الختامي أنها ترجمة فعلية لأشواق شعوبهم، تعكس الرغبة في تعزيز مسيرة التكامل الخليجي التي تمثل صمام الأمان لدول المجلس.

لم تقتصر جهود الملك سلمان لتحقيق تلك الأهداف السامية النبيلة لترسيخ المشتركات الخليجية وتعزيز أواصرها على القمم والاجتماعات، بل يركز على الوصول إليها من خلال الزيارات والجولات والاتصالات الثنائية، بهدف تهيئة الأجواء وتمهيد الطريق لتفعيل التنسيق وزيادة التقارب والوصول إلى حالة إجماع، مستخدما في ذلك مكانته المتميزة، وما يتمتع به من قبول لدى قادة كافة الدول، والاحترام الذي يحملونه لشخصه.

لذلك لم يكن من الغريب أن يسارع الجميع نحو الملك سلمان، بوصفه قائد العرب وكبير البيت الخليجي، كل ما حدث تباين في وجهات النظر وتزايدت التحديات، فيحتضنهم في حنو الوالد وشفقته، ويبذل جهده الكبير في تقريب مواقفهم، ويجدون لديه الحكمة التي ينشدونها، والرأي الذي يوحد صفوفهم، والحل الذي يرضي جميع الأطراف، ويرسم خارطة الطريق التي تقودهم نحو مرافئ الأمان.

أعيد القول مرة أخرى بأن نعمة القيادة الرشيدة هي أكبر ما يمنّ به الله سبحانه وتعالى على عباده، وأعظم ما يكرمهم به، لأنها تسهم في الاستغلال الأمثل للموارد، واتخاذ القرارات الصحيحة التي تحقق الاستقرار وتحفظ الأمن، وفي ذات الوقت لا يقتصر دورها على داخل دولها فقط، بل تقود منطقتها كلها نحو التنسيق والتعاون والتضامن، بما يحقق مصالح الأمم والمجتمعات، وهو ما يتحقق لدول الخليج العربي بوجود قادة حكماء مثل الملك سلمان، أكسبهم الله الحكمة والريادة والقدرة على استشراف المستقبل المشرق.