عام جائحة كورونا، عصفت بنا خلالها أزمة حقيقية ولا زالت مُخيمة علينا، فقدنا فيها أحبابا لنا وعانى من عانى من أثر هذه الجائحة العالمية، وهناك من لا زال يُعاني أثرها، شفاهم الله عاجلا. ولا زالت الإحصائيات تظهر لنا يوميا الحالات، رغم أن أعداد الإصابات الجديدة تتناقص ونسبة التشافي في ازدياد. بداية لله الحمد والمنة ثم لجهود هذه الدولة المباركة مُمثلة بقيادتها الرشيدة، والتي جعلت صحة المُواطن والمُقيم أولوية، عصفت الجائحة وفي خضم «عجتها» واشتداد الخطب، لم يعش المُواطن ولا المُقيم على حد سواء صور البؤس وضيق العيش والكدر والحاجة والفاقة، كما عاشه آخرون حتى في مُجتمعات مُتقدمة، ما يُسبب القلق إلا ما كان خارج نطاق التحكم والسيطرة فيما يعود على هذا الداء الفتاك وسلوكه. بذلت وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة جهودا استثنائية للتعاطي معها علاجيا ووقائيا، يُشكر الجميع عليها. كان «سيناريو» الجائحة ولا زال مُرعبا ومُخيفا على الأصعدة كافة «الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتنموية» لكل أصقاع الدنيا، بما فاق خيال الجميع، على أي حال فإن للجائحة عواقب وإفرازات ونتائج يجب التعاطي معها وعدم إغفالها، فلربما كانت أشد ضراوة من الجائحة ذاتها.

في بداية الجائحة كان هناك حديث طويل تداوله العامة بتحليلات عن كيفية نشأة الفيروس، وأنه مخلوق من صنع بشري لغايات وأهداف شريرة، وانبرى البعض بفضل التقنية الحديثة في تجميع مشاهد ونصوص وأحداث وكلمات ومقاطع وتحليلات ومُشاهدات مُتناثرة هنا وهناك، لصنع شائعات باحتراف حول هذا الفيروس الغامض، ورحلته المقيتة ليصل الأمر لدور الدولة العميقة ونظرية المُؤامرة وصناعة الدواء ودهاليز السياسة وأرقام الاقتصاد الخ. والمُلاحظ هنا أن الصانع لهذا الفيروس والمُصنوع له لم يسلما وتعرضا للنتيجة والخطورة نفسها، شائعات بلغت الآفاق دون إثباتات.

انبرى العديد من العلماء، وقضوا الأوقات الطويلة في مختبرات، للبحث عن لقاح يُقي من الإصابة، ودواء يُعالج عند حدوثها، وبفضل الله توصلوا للقاحات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفقا لبروتوكولات علمية صارمة، وما ميزها في زمن جائحة كورونا السرعة قدر الإمكان، فلا مجال للانتظار سنوات ليتم تطبيق البروتوكول العلمي الصارم في إيجاد لقاح لوباء، فالموت من كل جانب وهول الفاجعة يتجاوز كل التخيلات، بموجات أولى وثانية وثالثة وتحور في جينات الفيروس ليظهر بأشكال مُختلفة. كرهنا شكل ذلك الفيروس برؤوسه وشوكاته كما تظهر في كل مكان، فأينما ذهبت ورحلت وأتيت فشكله القبيح أمامك، حتى أنه يظهر لنا في أحلامنا. بدأ فجر جديد من الأمل لدى الجميع بإعلان جاهزية التطعيم والتحصين ضد الفيروس، وتغيرت صورة العالم لهذا الاكتشاف، استدارت بوصلة الحياة وتحركت عقارب ساعة الدنيا ببطء للعودة إلى ما قبل الجائحة، وإذ بعودة ظاهرة الشائعات تجاه اللقاح الجديد بحكايات وقصص لا يقبلها العقل البشري، ما بين ضلالات مرضية «Delusions» في الشكل والمحتوى لتشمل زراعة خلايا إلكترونية في جسم الشخص ذات طابع تجسسي، وأخرى لمشروع يُفضي لانعدام الحياة على هذا الكوكب وقطع النسل وسرقة مُحتويات الأدمغة والعقول البشرية، وربط العالم ليُصبح شخصا واحدا تتم إدارته بفعل الدولة العميقة. هنا اضطراب فصامي جماعي، لتخف حدة الإشاعات لظهور أعراض جانبية للقاح غريبة كمن يتراقص بدون توقف، وحصول مُضاعفات شديدة للقاح تُنسج من شخص وتتداول بين العامة، مُفضية لقلق على الصحة يقود للامتناع عن التطعيم. هنا اضطراب نفسي جماعي، المشكلة والمُصيبة أن هناك من ذوي الاختصاص وأشباه المُختصين من امتطى قنوات التواصل الاجتماعي بصور من التحليل الشخصي، أو الاستناد لقنوات عالمية ليست مُوثوقة، ليُساهم في إضرام نار الشائعات حول الجائحة. المُفجع أن مُنظمة الصحة العالمية ليست ببعيد عن هذا النسق الإعلامي بطرح يومي لا يخلو من صور التخويف والتردد والتقلب والتهويل والتحليل والتأرجح والتشكيك بين الفينة والأخرى، لمزيد من نشأة الشائعات وانتشارها، النتيجة تردد الناس في السعي للحصول على اللقاح وخوفهم منه، والترقب لما تؤول إليه النتائج.

كانت السعودية العظمى بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين من أول الدول التي وفرت اللقاح منذ بزوغ شمسه وتوزيعه على مناطق المملكة، ليشمل المُواطن والمُقيم «مجانا». ولقتل الشائعات ولعلاج الضلالات والوساوس المُصاحبة للقاح، قاما حفظهما الله بتناول اللقاح على مرأى الجميع. بذلت وزارة الصحة جهودا جبارة في الإعداد وحسن التنظيم في أماكن توافر اللقاح بسهولة ويسر، من خلال فريق رائع من المُمارسين الصحيين والمُنظمين الأروع في أوقات قياسية، لتخرج في نهاية رحلتك القصيرة جدا، والمُنظمة لتناول اللقاح بهدية كرمز للحياة والسعادة والصحة، إنها تلك الوردة البيضاء الجميلة بجمال من أعد ونظم ذلك التجمع الجماهيري الصحي، والذي سوف يقود بحول الله للقضاء على الجائحة والعودة للحياة الطبيعية.

أهيب بالجميع بالسعي للحصول على اللقاح، وإقفال الآذان وتكميم الأفواه لكل شائعة خبيثة تدور في أفق الأثير حول هذا الفيروس، وفهمه والتعاطي معه وقائيا وعلاجيا. فلقد فقدنا أحبة وعشنا هول التجربة وأهلكنا الخوف والقلق والترقب، وذقنا مرارة الإغلاق، وتجرعنا سم البقاء بين الجدران، وتوسدنا مصيرا مجهولا، لا نعرف ماذا يُحاك لنا غدا، المخرج بحول الله أخذ اللقاح ومُواصلة مسيرة السلوك الصحي في شقه الفردي والجماعي، لفجر جديد ظهر في الأفق شعاعه. ثناء لله وحمدا له لا ينقطع، ثم شكر لا حدود له لقيادتنا الرشيدة ولوزارتنا الرائعة في التعاطي مع هذه الأزمة العالمية، ولأمتنا العظيمة المُخلصة العاملة، حفظ الله الجميع.