مما لا شك فيه أننا على أعتاب الثورة الصناعية الخامسة، والتي يقول المنظرون لها إنها ستعمل بالتوازي مع الثورة الصناعية الرابعة الحالية، حيث إنها أي الخامسة ستغير كثيرًا من الممارسات المتعلقة بحياتنا وبالعمل وبالتجارة وبالصحة والتعليم والإنتاج الصناعي والزراعي، وغير ذلك وإلى الأبد.

والسؤال الذي يمكن طرحه اليوم هو: هل سوقنا السعودي مستعد لتلك المتغيرات القادمة من الخارج، والتي ستشمل العالم كله؟ وهل مؤسساتنا الخاصة وأسواقنا مستعدة للتكيف مع التغيرات الهائلة التي من المتوقع حدوثها في العقد الجديد الذي نعيشه؟

إن التحول الرقمي القادم في ظل الثورة الصناعية الخامسة، والتحول الرقمي الحالي لم يتم استغلاله بالشكل المطلوب من قبل كثير من مؤسسات القطاع الخاص في غير مكان حول العالم، وهذا يرجع إلى النمط التقليدي في التفكير الإداري والثقافة التشغيلية لدى كثير من أصحاب الأعمال في المملكة وخارجها، وهذا بطبيعة الحال قد كلف تلك الشركات التقليدية كثيرًا من الخسائر التشغيلية، لكن هل كان ذلك أمرًا سيئًا حقًا.

للإجابة على السؤال السابق، لا بد لنا من أن نطرح سؤالًا مركزيًا حول قضية التحول الرقمي في مؤسسات قطاعنا الخاص، وهو سؤال يعبر عن قضية بالغة الخطورة، ويتعلق بتأثير التحول الرقمي الحالي والمستقبلي على سوق التوظيف في قطاعنا الخاص، فهل سوق التوظيف مستعد لتلك المتغيرات التي قد تلتجأ إليها مؤسسات القطاع الخاص على اعتبار أنها قد تقلل إلى النصف وأكثر من نفقات التشغيل لديها وترفع من أرباحها؟ هل هذا التحول الرقمي الذي سيُنظر إليه على أنه إيجابي لمؤسسات القطاع الخاص سيكون محتملاً من قبل سوق التوظيف، وهو الذي سيعني تقليصًا كبيرًا وجذريًا في عدد الموظفين في الشركات والمؤسسات؟

في الحقيقة، إن التحول الرقمي القادم سيطرح سؤالًا أخلاقيًا بامتياز، ولن يمر مرور الكرام اقتصاديًا ومجتمعيًا. والسؤال الأكبر سيكون إذا سعت شركات القطاع الخاص في السوق السعودي، وفي سوق التوظيف العالمي ككل إلى تقليص عدد الموظفين كنتيجة للتسهيلات التي ستقدمها تقنيات هذا التحول الرقمي الجديد، فلمن ستبيع تلك الشركات منتجاتها وخدماتها، إذا كانت ستتسبب بنفسها في انهيار القوة الشرائية للأفراد العاملين في القطاع الخاص باستبعادهم من سوق العمل؟

إن كلاً من الأفراد والمؤسسات في القطاع الخاص في السوق السعودي سيتعين عليهما الوصول إلى صيغة توافقية مبنية على الميثاق الأخلاقي الاجتماعي بعيدًا عن حسابات الأعمال، فالتحول الرقمي الحالي والذي هو بالغ التطور، والتحول الرقمي القادم قريبًا، والذي سيكون أشد تطورًا لابد له أن يراعي مصالح جميع الأطراف لعدم خنق الأسواق، ولكي لا يكون هذا التحول الرقمي مؤذنًا بانهيار شركات القطاع الخاص بدلًا من زيادة أرباحها كما تأمل تلك الشركات من الثورة الصناعية الخامسة الوشيكة.