«ما أشبه الليلة بالبارحة»، عبارة قالها سيدنا ابن عباس، رضي الله عنهما، عند تفسيره للآية 69 من سورة التوبة، ووجدتها خير تعبير عن الموضوع الذي أنا بصدده، وأقصد موضوع «الزواج»، الذي سماه المولى، تعالى، في كتابه العظيم، «الميثاق الغليظ»: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}..

البارحة.. وأعني أيام الجاهلية ـ القديمة ـ كانت أنواع الزواجات كثيرة، منها: «الاستبضاع أو الاستفحال»، وهو تقديم الرجل زوجته إلى رجل آخر لإنجاب ولد قوي ومحارب، ومنها «المخادنة أو المصاحبة»، وهذه لا تصل فيه الأمور إلى النكاح، ومنها «المضامدة»، وفيه تتزوج المرأة أكثر من رجل، ومنها «الشغار»، ويكون من خلال تبادل امرأتين من بنات الـرجلين العازمين على الـزواج أو أختيهما، على أن تكون أحدهما بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها: ومنها «الـمسـاهـاة»، وهو قريب من الذي قبله، ومنها «زواج الـضـيـزن أو المقت»، وهو الذي إذا مات الأب أو الأخ تزوج ابنه بزوجة أبيه أو أخيه، ومنها «نـكـاح الـرهـط»، وهو الذي يدخل فيه عدة رجال على امرأة، فيضاجعها كل منهم، وإن حملت ووضعت مولودها، ترسل في طلبهم، وتختار من يكون الوالد، ومنها «زواج الـبـدل»، وهو أن يبدل الرجلان زوجتيهما، لفترة مؤقتة، بغية التمتع والتغيير، دون إعلان طلاق أو تبديل زواج، وكلها أبطلها الدين، ولم يبح منها إلا الذي كان يسمى عندهم «نكاح البعولة أو الصداق»، وهو الذي يخطب فيه الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، وهذا الـزواج المألوف بينهم، وهو زواج الناس اليوم.

أما الليلة، وأعني العصر الحديث ـ وما أدراكم ما العصر الحديث ـ فالزواجات هي الأخرى أنواع وأنواع، فمنها «المسيار»، وهو الذي تتنازل فيه المرأة عن حقها في المسكن والنفقة والمبيت والعدل بين الزوجات إن كان متزوجا، ومنها «العرفي»، وهو المشهور بين شباب الجامعات، ومنها «السري»، وهو الذي ينقصه التوثيق، ومنها «السياحي» أو «المصياف»، أو «المسفار»، أو «نهاية الأسبوع»، وهي التي تكون لفترات معينة، ومنها «زواج الدم» وهو عبارة عن قيام الذكر والأنثى بوخز إبهام كل منهما لإظهار الدم ثم وضع الإبهامين على بعضهما حتى يمتزج كل منهما بالآخر، وأحدث الأنواع ـ حتى الآن ـ «زواج التجربة»، وهو زواج يعنى بزيادة الشروط والضوابط الخاصة في عقد الزواج، وإثباتها في عقد مدني منفصل عن وثيقة الزواج، بهدف إلزام الزوجين بعدم الانفصال في مدة أقصاها من ثلاث إلى خمس سنين، يكون الزوجان بعدها في حل من أمرهما، إما باستمرار الزواج، أو الانفصال حال استحالة العشرة.

بغض النظر عن الخلافيات في أركان وشروط الزواج عند الفقهاء، إلا أن تنوعهم لا يعني إباحة الزواجات الخالية من المقاصد الشرعية النبيلة، والتي تصل إلى ثلاثين مقصدا، أهم وأسمى من مجرد قضاء الوطر.