من أكثر الأسئلة التي تدور في وسطنا الثقافي هو تعريف المثقف أو من المثقف؟ وتعريفه يتخذ أكثر من مسار، فهناك المسار العلمي أو المعلوماتي، وهناك الإنساني أو الاجتماعي، لكن لو ركزنا على المسار الإنساني بحكم أن المثقف له رسالة وبلا رسالة لن يصبح مثقفا.

وهذه الرسالة، لا بد وأن تكون ذات ركيزة إنسانية وليست إدارية أو علمية بطبيعة الحال، وبالتالي فإذا نظرنا لها من هذه الركيزة، فسنجد أن المثقف هو من له القدرة على تعزيز قيمة إنسانية في مجتمع ما بآلية مغايرة لما هو سائد. فمتى ما استطاع ابتكار وسائل اجتماعية لتعزيزها او استبدال السائد بها، فهو المثقف الحقيقي. وحتى يصل لهذا فإنه يضطلع بمجموعة عمليات من أبرزها نقد الواقع في ذلك المجتمع من أجل إحلال الوسيلة الجديدة. ولذا يوصف كثير من المثقفين بأنهم ضد مجتمعاتهم لأنهم ينقدون ما هو سائد عموما أو العادات التي تشكل آلية للوصول لقيمة، حيث يرون أنها لم تعد موصلة لها أو تتسبب بأضرار أكثر مما تجلبه من نفع، مع أنه في حقيقته يريد الوصول لقيمة إنسانية بشكل مختلف. ومع هذه الإشكالية يتم اتهامه بأنه يهدف لإذابة المجتمع أو هدمه، لأن التقليديين يرون أن هدم الوسائل هدم لغاياتها لأنهم لا يرون شيئا وراء هذه الوسائل فهي نهاية الأمد في الوصول للمطلوب، أما المثقف، فإنه يرى ما وراءها ويرى نجاعتها. وكذلك الحال في المجتهد الشرعي الذي يسعى لتعزيز قيمة دينية بأحكام وآليات جزئية تختلف عن السائد، ولكن ليس هذا مجال التوسع في بحث الاجتهاد ولكن ينتابه ما ينتاب المثقف. وعموما النقد هو سلاح المثقف الأول، ولولاه لما استطاع إحلال الآلية الجديدة. ولذا لا نتصور مثقفا حقيقيا ليس له قدرة على النقد، بل إنه سيصبح داعيا لقيمة بوسائل معروفة قد لا تصلح ولعل هذا هو الفرق بينه وبين المصلح الديني أو الخبير الاجتماعي. وبناء على ما سبق فكل من تتوفر لديه القدرة على النقد ثم الابتكار فهو المثقف وإن لم يحمل شهادة.