ربما البعض لم تخطر على مسامعه كلمة (الميثومانيا)، وربما هناك من يعرفها حق المعرفة! ولكن دعني أسألك سؤالا؟! تخيل أن هناك شخصا تعرفه بأنه كثير الكلام في أمور أنت تعرفها بأنها ليست كما يتحدث عنها، ولكن كل ما يقال لك عكس ما تعرفه أنت! وأحيانا كثير الكلام عن نفسه، طموحاته، إنجازاته، مادح نفسه بشكل مبالغ! وأحيانا يختلق بعض القصص التي ليس لها وجود فيقوم بتضخيمها! وبعض الأحيان يسرد لك قصة مفادها كالتالي:

ليلة البارحة حدثت معركة بيني وبين حيوان مفترس فتغلبت عليه وقتلته.. برأيك بماذا تصف هذا الشخص؟!

يتخذ البعض في الحياة الكذب طوق نجاة أو لرفع نفسه إلى مستويات عالية وليشعر بالعظمة لتحقيق أهدافه في الحياة، فيتحول الكذب في الأمور التي يشعر أنها بسيطة إلى حالة مرضية تعرف باسم «الميثومانيا» أو الكذب القهري، فالأشخاص المصابون بهذا المرض يعدون أنفسهم أذكياء واجتماعيين في أغلب الأحيان لأنهم قادرون على جذب الآخرين والانتباه إليهم ويصدقون الآخرين في كل ما يقولونه.

كانت أول حالة للميثومونيا قد ظهرت عام 1891 في ألمانيا، هذه الحالة تعد داء نفسيا مزمنا تدفع صاحبها إلى اختلاق القصص ويبالغ بشدة في وصف الأحداث التي تدور حوله وهدفه الأول من هذا الكذب إشباع رغباته النفسية.

فمثلا في بعض الحالات المرضية تكون تلك الحقيقة التي في عقله مجرد كذبة، ولكن من خلال تكراره لها أصبحت حقيقة في نظر صاحبها، كفكرة في عقله بأنه إنسان فاشل في إدارة أعماله ولكن في الحقيقة هو عكس ذلك تماما شخص مثابر ومنظم لجدول أعماله، ولكن من خلال تكراره لهذه الفكرة أصبحت حقيقة.

أشار بعض المتخصصين النفسيين إلى أن مرضى الميثومانيا لا يستطيعون السيطرة على ولعهم بالكذب، ويشعرون بالراحة عندما يؤثرون الكذب على الحقيقة، كما أنهم يكذبون في الأمور المهمة والأمور غير المهمة على حدٍ سواء، كما أنهم لا يملكون دوافع خفية خلف كذبهم، كما أن المصابين بالكذب القهري يواجهون صعوبة بالغة في قول الحقيقة، حتى بعد أن ينكشف أمرهم، فبعضهم يبرر كذبته بأنه لم يكن يعرف، والبعض الآخر يواجه كذبته بالجدال.

ما نراه في بعض الأشخاص بأنهم يلجئون للكذب في أغلب أعمالهم اليومية وعندما تعرف ذلك وتسأله، سوف يجاوبونك بأنها كذبة بيضاء! ليس كل كذبة تعد كذبة بيضاء، هناك كذبة كبيرة وفي نظرك تعتبرها صغيرة.. عش يومك بصدق، وقل الحقيقة مهما كلفك الأمر، فقل الحقيقة أفضل مليون مرة من كذبة بيضاء ربما تصبح حقيقة على مدار الأيام كما قيل قديما حبل الكذب قصير.

جميعا ندرك أن الإسلام حرم الكذب بشتى أنواعه كما ذكر في القرآن الكريم قوله تعالى «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب» فالكذب أبغض الأخلاق.

يقول النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر»، فهذا المرض تم وصفه وتعريفه عام 1891 من قبل أنتون ديلبروك الطبيب النفسي الألماني، بأن «الميثومانيا»الكذب القهري«صفة لازمت البشر منذ وجودهم الأول ومع الوقت تحولت إلى مرض. فلنكن دائما واعين ومدركين أن الكذب محرم في أي قول، ولنتمسك بحكمه «فيودور دستويفسكي» بالرغم من كل شيء لا تكذب على نفسك، الشخص الذي يكذب على نفسه ويستمع لتلك الأكاذيب يصل إلى درجة أنه لا يستطيع تمييز الحقيقة مع نفسه أو مع من حوله، وسيفقد الاحترام مع نفسه ومع الآخرين ولن ينجح في علاقاته. فلنقل الحقيقة دائما حتى عندما نكذب.