الرياضة النسائية سواء في المؤسسات التعليمية، أو في النوادي الخاصة، أو شبه العامة التابعة لبعض الشركات، هي إحدى قضايانا الملغومة رغم عدم وجود مبرر حقيقي فيما لو تمت مناقشة الأمر بعيداً عن التجاذبات والمماحكات بين التيارات المتصارعة.

فالرياضة للنساء ليست ترفاً، بل لعل المرأة تحتاجها أكثر من الرجل، وذلك بسبب طبيعة جسمها المتغيرة منذ الطفولة مروراً بالبلوغ ثم سن الشباب وما يرتبط بها من حمل وإنجاب، وصولاً إلى سن الحكمة بعد توقف الدورة الشهرية. فالأكل الصحي كما الرياضة يؤثران على صحة المرأة البدنية والنفسية. ولو بسطنا الأمور قليلاً وأخذناها من ناحية شكلية بحتة، لقلنا إن الشابة التي تعاني زيادة ملحوظة في الوزن تنخفض فرصها في الخطبة والزواج، وقد يصعب عليها وقتها تخفيف وزنها، ولا سيما إذا كان هذا هو وضع جسدها منذ سن الطفولة، مما قد يؤثر على ثقتها بنفسها ويؤذيها نفسياً.

أما لو تعمقنا قليلاً ونظرنا للأمر من ناحية صحية بحتة لأعلمنا الأطباء عن ارتباط السمنة وغياب الرياضة لدى الرجال والنساء بأمراض مزمنة مثل السكر، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الهضم، وجلطات الأوردة والجلطات الرئوية، وبمرض هشاشة العظام لدى السيدات الأكبر سناً، خصوصاً بعد توقف الطمث.

وإذا ركزنا على المرأة تحديداً، فسيربط الكثير من الأبحاث الطبية ما بين زيادة الوزن والاضطرابات الهرمونية التي قد تؤدي لعدم انتظام في الدورة الشهرية لدى بعض النساء. وهذا له تأثير على الصحة الإنجابية للمرأة، خاصة إذا ترافق مع مشكلات صحية أخرى. وحين تحاول المرأة فقدان الوزن في هذه المرحلة- بأمر من الطبيب- تجد نفسها أمام مهمة صعبة إذا لم يكن قد سبق لها ممارسة الرياضة. فتلجأ وقتها للرجيم القاسي الذي قد يحرم الجسم من مكونات غذائية ضرورية فتصبح العملية برمتها أكثر ضرراً منها نفعاً. وحتى حين حصول الحمل، فالمرأة صاحبة الجسم السليم تعاني عادة من مشكلات صحية أقل فترة الحمل والولادة، فالقضية ليست فقط مرتبطة بالسمنة والنحافة، فالمرأة النحيفة غير الرياضة هي أيضاً في خطر بسبب ضعف جسدها بشكل عام. وكلما كان الوزن مثالياً قبل الحمل كانت العودة إليه أسهل بعد الولادة، وهو أمر حيوي لصحة المرأة ولثقتها بنفسها وعلاقتها بزوجها ومحيطها.

ومن فوائد الرياضة في المراحل المدرسية للطالبات أنها تمنحهن ثقة بالنفس تنعكس على أدائهن المدرسي، وتخفف الضغط النفسي عليهن، ولا سيما في مرحلة المراهقة الحرجة، والرياضات الجماعية تعلمهن أيضاً فوائد العمل الجماعي والتنافس الشريف، وهي أخلاقيات نفتقدها في الكثير من بيئات العمل النسائية.. فلماذا هذه الممانعة الاجتماعية إذاً ضد موضوع صحي وطبي؟

نسمع دائماً تكرار بعض الحجج كلما تم طرح هذا الموضوع، وسأطرح أهمها تباعاً.

الحجة الأولى: أن هذا الأمر مدخل للفساد، حيث ستتطور الأمور مثلاً من ممارسة الرياضة المدرسية إلى المنافسة على مستويات محلية وعالمية.

والرد أنه لنأخذ مدارس الأولاد كمثال، كم طالبا سعوديا ممن يحضرون دروس التربية البدنية تحول لاحتراف الرياضة وللمشاركة في المنافسات الدولية؟ عدد قليل جداً. وإذا كنا نتحدث عن مشاركات محلية نسائية خالصة مثل دوري المدارس، فأين المشكلة في أن تقام مثل هذه الألعاب النسائية النافعة للطالبات؟

أما المشاركة في المناسبات الدولية فتتطلب رعاية خاصة من قبل الأسرة وتكلفة مادية عالية للأدوات والمدربات بحسب الرياضة، فإذا كانت هناك أسرة مستعدة لكل هذا الالتزام المادي والمعنوي، فهذا لن يفرق معها كثيراً وجود الرياضة في المدارس الحكومية. وقد شاهدنا مثلاً أسرة الفارسة دلما ملحس وكيف صرفت عليها أموالاً طائلة، وكانت ترسلها للتدرب في الإسطبلات الأوروبية، وهو أمر لا يتوفر لمعظمنا.

الحجة الثانية: أنه لماذا لا تمارس الطفلة أو المرأة هذه الرياضة في منزلها.. فهذا أنفع وأستر؟

وأصحاب هذا الرأي ولا شك هم سكان القصور والفلل الفارهة. فعدد كبير من العائلات السعودية، ولاسيما من تذهب بناتهم للمدارس الحكومية، يسكنون في شقق صغيرة مكتظة بأفراد الأسرة، فأين هي المساحة المتاحة للجري أو للتمدد للقيام بالحركات الرياضية أو حتى لنط الحبل؟ ومن أين يأتي هؤلاء بالمال الكافي لشراء أجهزة السير وغيرها بكلفتها المرتفعة؟ وأين ستوضع هذه الآلات؟ ثم من سيعلم هؤلاء الصغيرات أو اليافعات أو الشبات أو الجدات أسس الرياضة الصحيحة حتى لا يؤذين أنفسهن؟

نحن نتحدث هنا عن سواد الشعب في كافة المدن والقرى وليس عن بعض المترفات في المدن الكبرى، ممن لديهن مسابح خاصة في بيوتهن، وصالة رياضية مجهزة بأحدث الأجهزة، بالإضافة إلى اشتراك شهري قيمته ثلاثة آلاف ريال في أرقى ناد بالمدينة.

الحجة الثالثة: أن ممارسة الفتيات للرياضة ستؤدي إلى ارتداء الفتيات للملابس الضيقة مما يوقعهن في الفتنة ويزيد من حالات الشذوذ بينهن!

هل سبق أن حضر أصحاب هذا الرأي حفل زواج نسائيا؟ أسوأ زي رياضي سترتديه أية طالبة لا يمكن أن يصل إلى درجة العري المشاهد في كثير من الأعراس السعودية.

الحجة الرابعة تقول إن مدارس البنات في حالتها الراهنة غير مهيأة للرياضة، فهي تعاني من نواقص جوهرية مثل النظافة أو النظام أو التكييف أو غياب نظم وإجراءات السلامة وضيق المباني المستأجرة.

وهذه هي الحجة الوحيدة التي أتفق معها، لأنها للأسف واقع، إلا أن الحل لا يكون بمنع الرياضة وإنما بإصلاح هذه الأوضاع وجعل المدرسة مرفقاً تعليمياً وصحياً وثقافياً وتربوياً يليق ببنات الوطن.

دعونا نتجاوز تعصبنا لآرائنا، ولنحاول أن نهيئ للأجيال الحالية والقادمة ما لم تستطع الأجيال السابقة أن تفعله لنا.. فالرياضة حق يفترض أن نناله بدون مداولات واقتراعات.. فالحقوق لا تُستجدى ولا تُستفتى.