اختتمت هذا الأسبوع فعاليات دورة الألعاب الأولمبية، التي احتضنتها لندن المتألقة تاريخا وفنا وحضارة ورياضة كعادتها. ومن أبرز أحداث هذه الدورة، أنها الأولى التي يتم فيها اشتراط مشاركة الوفود بالجنسين من المتسابقين، وإلا سيحرم وفد الدولة بأكمله من المشاركة. ووجدت ثلاث دول إسلامية هي السعودية وقطر وبروناي نفسها في حرج، إذ لم تسبق مشاركة أية امرأة من هذه الدول ضمن البعثة الأولمبية. فكيف يمكن قراءة المشاركة السعودية في لندن 2012 تحديدا مع وفدها النسائي المكون من وجدان شهرخاني (16 سنة) في لعبة الجودو، والعداءة سارة العطار (19 سنة) في سباق 800 متر؟

لا بد من ملاحظة أنه بالرغم من أن السعودية لم تكن الدولة الوحيدة التي لديها تحفظ على المشاركة النسائية، إلا أن التركيز الإعلامي كان عليها دون غيرها، لأنها تأخرت كثيرا في إعطاء الموافقة الأخيرة بمشاركة النساء، وهي غلطة ارتكبتها اللجنة الأولمبية السعودية، إذ منحت الفرصة للإعلام العالمي ليتحدث عن وضع المرأة السعودية بما لا يسر، خاصة أنه ـ في النهاية ـ كانت هناك مشاركة بالفعل. ولم تتوقف الأخطاء عند هذا الحد، بل إن قرار وضع الوفد النسائي خلف الرجالي خلال استعراض الوفود في حفل الافتتاح، وعدم إعطائهن الفرصة لحمل الراية، مع ما يحمله هذا الفعل من دلالة رمزية بالغة فطنت لها معظم الدول العربية والإسلامية بما فيها قطر، التي تشارك مثلنا للمرة الأولى بعداءة وحيدة، كان غير موفق، ودليلا آخر واضحا على أننا لا نعرف كيف نكسب اللعبة الإعلامية الدولية.

لقد تمنيت قبل أن تبدأ الأولمبياد لو لم نشارك بوفد نسائي، لأن مشاركتنا ستعطي انطباعا غير واقعي عن اهتمامنا كدولة وقطاع رياضي بالرياضة النسائية، ونحن في الواقع لا نوفرها حتى لطالبات المرحلة الابتدائية! لكن ما إن شاهدت الوفد السعودي يدخل الملعب الأولمبي برجاله ونسائه، مُلوِّحا براية الوطن حتى شعرت بالفخر، إحساس جيد أن تحس أنك غير مهمش بسبب جنسك.

ونأتي للمشاركة ذاتها، فلعل أبرز المشاركات السعودية في أولمبياد لندن كانت في الجودو والعدْو، بحكم المشاركة النسائية الأولى، وأيضا مشاركة فرسان السعودية في منافسات الفروسية، التي أسفرت عن ميدالية برونزية. ففي حين لقي الفرسان كل التشجيع والاهتمام سواء من الدولة أو الجمهور، قبل وبعد المشاركة، والمبالغ الطائلة التي صرفت عليهم وعلى رياضة الفروسية، والتي بلغت بحسب الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد (رئيس مجلس أمناء صندوق الفروسية السعودي) أربعين مليون يورو، وبالتالي كان من الطبيعي أن يُنتظر منهم الذهب وليس فقط البرونز، فإن المتسابقتين السعوديتين قد عانتا الكثير في هذه الدورة، وصمودهما رغم يفاعة عمريهما يستحق الاحترام والإعجاب.

فابتداء، وجدان وسارة تعرضتا على الصعيد الشعبي لهجوم كاسح عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، وقام بعض السفهاء بإنشاء وسم خاص بهما على موقع تويتر، يحمل صفة قبيحة أرفض أن ألوث بها مقالي. وهذا الوسم ـ من سوئه ـ طارت به الدنيا، وكُتب بسبع لغات مختلفة على الأقل في كبريات الصحف العالمية، وما قيل بحقهما يستحق العقاب، وقد سمعت أن أسرتيهما تستعدان لرفع قضايا في المحاكم على المسيئين، وأنا أحييهما على ذلك. فالإساءة كانت بالغة، ولا يمكن أن تدخل في باب الاختلاف في الرأي، أو حتى الغيرة الدينية، فقد قذفت أعراض البنتين وأبويهما، وتمت السخرية من أصولهما ومنطقتهما في مشهد مقزز تسيدته العنصرية المتلبسة زورا رداء الدين والوطنية.

ثم واجهت وجدان مشكلة أخرى، خارجية هذه المرة، متعلقة بحجابها الذي لم توافق عليه اللجنة الدولية الأولمبية لرياضة الجودو، واعتبرته خطرا على السلامة! وهنا كانت عليها المقاتلة بشراسة من أجل إقرار هذا الحق الذي ستستفيد منه وجدان وكل لاعبة محجبة أخرى ستشارك في هذه المسابقة مستقبلا وكان لها ذلك. وبدلا من تحية هذه المسلمة الشجاعة على ثباتها حصل العكس! إذ هوجمت وهوجم حجابها بشكل لاذع، في حين أن من يتابع الإعلام الأجنبي يجد دعوات المناهضين للإسلام الذين يسخرون من حشمة المسلمات، وارتدائهن الملابس الطويلة ويطالبون بمنعهن من ذلك. ولعلنا ننجح مستقبلا في صناعة ملابس رياضية نسائية مريحة تفي بالغرض الرياضي، وفي الوقت نفسه أكثر حشمة ومراعاة لأصول الحجاب الشرعي.

وجاء التحدي الثالث وهو المتوقع، حيث إنه لم يُصرف ريالٌ واحد من خزينة الدولة ـ فيما أعلم ـ من أجل إعدادهما الإعداد الرياضي الجيد، وبالتالي فإن خسارتهما السريعة أو الكبيرة كانت متوقعة جدا، ولا تلامان عليها. فالسخرية من خسارتهما غير مبررة، خاصة وجدان، التي ولدت ونشأت في السعودية، حيث الرياضة غير موجودة في المدارس، ولا توجد أندية رياضية مدعومة من الدولة تحت رعاية الشباب، بل ـ وبصراحة ـ الرياضة النسائية التي تقام بجهود فردية في المدارس والكليات الأهلية محاربة بشكل كبير. وحده والدها كان مدربها، وهي مشاركتها الدولية الأولى فمن يلومها؟

وكنت أتمنى شخصيا أن يكون هناك دعم معنوي لوجدان وسارة، قبل وبعد مشاركتهما من قبل أعلى المستويات الرياضية في الدولة، ولكنني لم أجد إلا التجاهل غالبا، حتى موقع اللجنة الأولمبية السعودية الإلكتروني يخلو من صورة واحدة لهما، أو من الإشارة لمشاركتهما ـ التي احتفى بها العالم ـ وكأن اللجنة خجلة منهما.

جميلٌ الاحتفاء بفرسان السعودية، وهم يستحقون ذلك لأدائهم الجيد، ولكن دعونا لا ننسى أنهم مدينون ـ بعد الله ـ ليس للدولة ومجهوداتهم فقط، بل لفتاتين شجاعتين من بلدهما قبلتا التحدي والمشاركة باسم الوطن رغم كل الضغوطات، فلولا هذه المشاركة لحرم الوفد السعودي برمته من المشاركة، وبالتالي لما تمكن الفرسان من حصد الميدالية الأولمبية. فسارة ووجدان شريكتان في هذا النجاح أيضا، وهما تستحقان تكريما واحتفاءً واستقبالا يليق بالأبطال، ولو كنت مكان اللجنة الأولمبية السعودية لمنحتهما ميدالية ذهبية للشجاعة والصمود وروح التحدي.