في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية المقامة حاليا في ريو دي جانيرو البرازيلية كان الخبر الأبرز الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية، تمثل في مشاركة 4 سيدات سعوديات بطريقة رسمية في الأولمبياد. دخول المرأة السعودية للألعاب الأولمبية للمرة الأولى سبقه بأيام صدور قرار من مجلس الوزراء، يقضي بتعيين الأميرة ريمه بندر بن سلطان وكيلة رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي بالمرتبة الخامسة عشرة، وهذا يحدث للمرة الأولى أيضا من ناحية تقليد امرأة منصبا قياديا في المجال الرياضي في تاريخ السعودية. هذا الدخول المزدوج للمرأة السعودية للمجال الرياضي دفعة واحدة عن طريق تكليف قيادي وتمثيل فعلي في الحضور والمشاركة يعد خطوة كبيرة في سلسلة التطور والانتقال في تاريخ حياة المرأة السعودية، خاصة أن الرياضة النسائية كانت ولا تزال مثارا للجدل والجذب بين القول بأنها حلال أو حرام رغم الأمراض والأوزان التي تنوء بحملها الكثير من النساء السعوديات بسبب قلة الحركة وانعدام اللياقة والمرونة. وكأي بداية تنويرية تحسب لصالح المرأة السعودية وحضورها في المحافل الدولية والعالمية بحضور مشرف لها شخصيا ولبلدها فإن عاصفة من الاستنكار والخذلان والشتائم يقوم بها حزب الممانعة الذي لا يجد غير المرأة قضية له، المرأة بوصفها في أذهانهم المؤدلجة جسدا محدود الغاية، واعتبارها شيئا تابعا لمشيئتهم وأفكارهم الرجعية، لا كيانا مستقلا له حرية الاختيار والتصرف والمشاركة في جوانب الحياة العادية والمعقدة دون إسقاطات الانتقاص من كونها أنثى لها خصائص تميزها لا تسيء إليها، أو استعدائها وإقصائها بسياقات شرعية غير صحيحة تحت مظلة العار والعيب.

في المسافة بين تعيين ريمه بنت بندر بن سلطان كوكيلة لرئيس هيئة الرياضة العامة وبين مشاركة المتألقات الأربع: جود فهمي، سارة عطار، لبنى العمير وكاريمان أبو الجدايل في دورة الأولمبياد الحالية ظهر فيديو متداول في إحدى الحدائق العامة في السعودية تظهر فيه سيدة تعتدي على الممتلكات العامة في تلك الحديقة بنزعها سلك مكبر الصوت بإحدى السماعات والذي فسر فيه تصرفها هذا بأنه نوع من "الاحتساب" وتغيير المنكر بقوة اليد، علما أن السماعات كانت تبث صوت "شيلات" وهي الصورة المسخ التي تعد حلالا من الأغاني التي يحرمها الكثير. تلك السيدة دون الدفاع عن تصرفها الخاطئ وجرأتها على فرض رأيها فهي تطبق ما تراه حقا وما اعتادت عليه وما لا يراه المجتمع خطأ، بل إن هذا التصرف قوبل بالتشجيع والترحيب وفتحت له مزادات مالية على شكل هدايا وهبات. الرفض العلني لتنظيم تحت مظلة جهة حكومية ولعمل في عرف الناس مستساغ هو نوع من التناقض الذي يعيشه المجتمع، والقيد الكبير الذي نحارب فيه أنفسنا قبل الآخرين، باعتبار أن طريقتنا في التدين والتعامل مع الله هي الوحيدة والواحدة الصحيحة، هذه القناعة تسببت في ظهور مثل هذه الحالات الاحتسابية في المجتمع، ليس فقط مع "الأسلاك"، بل في تفاصيل كثيرة، بعضها ذكرته هنا سابقا من احتساب على لوحة ورقية لطالبة موهوبة في إحدى المدارس وتمزيقها لأنها صورة لوجه الفنانة فيروز! لا يشعر هذا المحتسب المعتدي على حريات الآخرين وحقوقهم بأي ذنب أو تأنيب ضمير على تصرفه، بل يوقن أنه واجبه ودوره الذي خلق له، ويعزز هذا تجاوب وتفاعل المجتمع معه ولو عن طريق "الاستشراف" على الآخرين، باعتبار "العرض" نقطة الضعف المتمثلة في المرأة هي مدخله لحسم الأمور لصالح قناعاته، وتبالغ فيه النساء أكثر لأنه يظهرها بصورة مقبولة ومُرضية لدى الرجل الذي ينتقصها ويستعيب منها.

التناقض بين مشاركة المرأة السعودية في دورة الألعاب الأولمبية للمرة الأولى في التاريخ وجعله حدثا أسطوريا تتسابق وسائل الإعلام الحديث عنه وإبرازه ويعارضه علنا الكثير من المجتمع، وبين السيدة المعتدية على "السلك" في حديقة عامة وما تبع تصرفها من تأييد نفس تلك الشريحة المعترضة ومزادات تشجيعية هو نفس التناقض الذي يعيشه مجتمعنا حول قضايا المرأة السعودية، وصورة مصغرة من الصراع الذي ينشغل به عامة المجتمع، بينما يستطيع تجاوزه من ينصرف لعمله وإبداعه رغم المعيقات ويستطيع الانتصار فيه بشكل أكبر دون الجلبة التي يحدثها المؤدلجون والمحتسبون لو كان خلف كل قضية تخص المرأة وتقدمها قرار حكومي رسمي ينتصر لحقها في الحياة.