صرّح وزير المالية أخيراً بأنه يتم وضع اللمسات الأخيرة على إقرار ضريبة القيمة المضافة والتي سيبدأ تطبيقها في بداية عام 2018، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث يعتقد البعض أن تلك الضريبة سوف تضغط على دخول المواطنين وترهق ميزانيتهم لأنها ضريبة على استهلاك السلع والخدمات، والتي سوف تحمل بشكل غير مباشر على المستهلك النهائي.

ويرى بعض المختصين في المجال الاقتصادي أنه من المعروف "ميل الفرد للاستهلاك يتجه للانخفاض مع ارتفاع مستوى دخله بمعنى أن الأقل دخلاً ينفقون على الاستهلاك نسبة أكبر من دخولهم بالقياس إلى الأعلى دخلاً، لذلك يقع عبء ضريبة القيمة المضافة كنسبة من الدخل بدرجة أكبر على أصحاب الدخول المنخفضة"، ولهذا يطالب البعض بإقرار الضريبة على أرباح الشركات مباشرةً بدلاً من ضريبة القيمة المضافة لأنها "تحقق درجة أكبر من العدالة الاجتماعية".

وفي المقابل، ذكرت تقارير إعلامية أن الهدف من فرض ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج العربية هو بسبب "دخولها في العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، وبالتالي تراجع رسوم الجمارك وضرائبها"، مما يؤدي ذلك إلى تحقيق خسائر كبيرة لدول المنطقة، بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط والغاز، وفرض تلك الضريبة سوف يعوّض تلك الخسائر وإلى ارتفاع عوائد الحكومة، وبالتالي ارتفاع التصنيف الائتماني وزيادة جاذبية الاستثمار الأجنبي للمنطقة، كما أن فرض تلك الضريبة يعتبر أداة من الأدوات الاقتصادية التي تساعد في الحد من استهلاك السلع غير الضرورية أو المضرة مثل التبغ والمشروبات الغازية، ناهيك عن تطبيق تلك الضريبة في أكثر دول العالم المتقدم، وبالأخص الدول الأوربية!.

وبغض النظر عن كيفية أو آلية فرض ضريبة القيمة المضافة وكيفية تحصيلها، فالمتعارف عليه لدى غالبية الناس أن هذه الضريبة سوف تزيد من أسعار السلع والخدمات، بسبب زيادة التكاليف، والمواطن هو المتحمل فعلياً لتلك الضريبة بشكل غير مباشر، بالإضافة إلى عدم انخفاض الأسعار من الأساس، مما يعني ذلك زيادة الأسعار أضاعفاً مضاعفة مما هي عليه الآن في ظل انخفاض أسعار النفط وإلغاء البدلات والعلاوات الحكومية! والسؤال المطروح هنا: هل مخاوف المواطنين من ارتفاع الأسعار والضغط على دخولهم بسبب فرض ضريبة القيمة المضافة منطقية ومبررة؟

تجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة قامت قبل عدة سنوات بإجراء تعديلات جوهرية على أنظمة الجمارك والضرائب، بما يتوافق مع انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وقد نجحت في إبقاء فرض الزكاة الشرعية على الشركات السعودية والخليجية، وعلى هذا الأساس فإن مطالبة البعض بفرض ضرائب مباشرة على أرباح الشركات بدلاً من ضريبة القيمة المضافة معناه إلغاء الزكاة على تلك الشركات، وهذا الأمر يصعب تطبيقه على أرض الواقع.

أما فيما يتعلق بمطالبة البعض بالتوسع في فرض الضريبة على الشركات الأجنبية والمقيمة فهذا أيضاً يخالف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ويضع المصداقية الاقتصادية على المحك، ويضعف الثقة العالمية بالاقتصاد الوطني عموماً، وبناءً على ذلك: هل يكون البديل إلغاء فرض ضريبة القيمة المضافة من الأساس؟ لأن الضغط على دخول الأفراد له انعكاسات سلبية على الاقتصاد، وخاصةً عند تراجع دخول الطبقة المتوسطة من المجتمع، والتي تعتبر أحد أهم المؤشرات الحقيقية لقوة أي اقتصاد في العالم، وبالتالي فلا مفر من تطبيق تلك الضريبة، فما هو الحل إذًا؟

لا شك عندي أن مخاوف المواطنين من فرض ضريبة القيمة المضافة وانعكاساتها السلبية على ارتفاع الأسعار هي في محلها، وليس هذا وحسب، بل ربما تقوم بعض الشركات التجارية في الأسواق برفع الأسعار فعلاً قبل فرض تلك الضريبة، وعند تطبيقها على أرض الواقع ربما تقوم بتطبيق الضريبة على السلع المعفاة من الضريبة أيضاً، وبالتالي سنكون أمام تضخم حقيقي في الأسعار ترهق أصحاب الدخول المنخفضة وحتى المتوسطة.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن فرض ضريبة القيمة المضافة يحتاج إلى وجود رقابة قوية وفعالة من قبل وزارة التجارة على الأسواق التجارية، بالإضافة إلى وجود نظام قضائي تجاري متخصص، يكون داعماً لحركة النمو الاقتصادي مع وجود قوانين تجارية موحدة ومستقلة عن فروع القوانين الأخرى تحت إشراف قضائي متخصص، يتضمن رؤية واضحة نحو الالتزامات التجارية، مما يكسب النظام الاقتصادي احترام وثقة المتعاملين معه.

وفي السوق الحرة وفي ظل المنافسة القوية لا تستطيع الشركات التجارية رفع الأسعار ولا القضاء على المنافسة، لأنها لا تستطيع استخدام القوة أو الإجبار في ظل الأنظمة والقوانين..، وهنا ينشأ الدور الرقابي لوزارة التجارة، والذي يتمثل في حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ومراقبة ورصد أية ممارسات من شأنها الإخلال بالأنظمة والقوانين، فقد نصت المادة الرابعة من نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) وتاريخ 4 /5 /1425 على أنه "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أم شفهية، وصريحة كانت أو ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت، كذلك يحظر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت، وفقاً للشروط والضوابط المبينة في اللائحة..".

والعوامل السابقة تعتبر متطلبات ضرورية للبيئة التجارية السليمة ينطلق من خلالها النمو الاقتصادي في حركته التنموية، وبالتالي يمكن فرض ضريبة القيمة المضافة دون التأثير على دخول وميزانية المواطنين، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها اقتصادياً.