منذ نحو عام تبدي الأوساط الحزبية والإعلامية في إسرائيل اهتماماً لافتاً بالمستقبل السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتنشر نتائج استطلاعات للرأي العام وسيناريوهات متناقضة، وذلك على خلفيات ومواقف وتقييمات مختلفة لنتنياهو نفسه وسلوكه الشخصي والسياسي.

فثمة من يعتقد أن نتنياهو سيئ لليهود، لأنه عندما هاجم داعش باريس خرج نتنياهو عن طوره وقام بالتحريض ضد حكومة فرانسوا أولاند اليسارية، ووقف على يمين يهود فرنسا الذين هم يمينيون في الأصل. وعندما صرخ يهود الولايات المتحدة الليبراليون ضد مظاهر اللاسامية وإنكار الكارثة من قبل ترمب ومستشاريه، ملأ نتنياهو فمه بالماء.

 وتحت عنوان «نتنياهو لا يمثلنا» كتب شلومو شمير في صحيفة «هآرتس»:«إن زعيما تجري شرطة بلاده ضده تحقيقات في ملفين؛ ومسؤولون سابقون عملوا في حضرته وعلى مقربة منه يخضعون للتحقيقات كمشبوهين بأعمال جنائية في قضية الغواصات، وزوجته ستقدم إلى المحاكمة في قضية المنازل – ليس الشخصية المناسبة لتمثيل إسرائيل في الاجتماعات الدولية. ومن بين رؤساء الدول والزعماء المشاركين في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، غير قليل متورطون في قضايا فساد في بلدانهم أو مشاركون في أعمال القمع والانتهاك لحقوق الإنسان. ولكن رئيس وزراء إسرائيل يفترض أن يمثل دولة يهودية الأخلاق فيها هي أساس وجودها، غايتها النور للأغيار، زعماؤها هم قدوة للحفاظ المتشدد على القانون. ليست هذه بالضبط هي صورة الوضع التي يمثلها نتنياهو».

 وذكر نداف هعتسني في صحيفة معاريف عدداً من الأسباب التي يجب أن تدفع نتنياهو للرحيل منها: الإستراتيجية المكشوفة لمعسكر آفي غباي – الداد ينيف – يائير لبيد. والتي نجحت في 1992 وفي 1999. وهي تتركب من حملة جماهيرية مكثفة بقيادة صحافة منحازة، لخلق إحساس النفور والفساد من حكم الليكود. هكذا وصل رابين وباراك أيضا إلى رئاسة الوزراء. والسبب الثاني هو الخطر المحدق من نتنياهو نفسه، الذي حتى اليوم ليس واضحا ما هو حقا فكره.

 وندد مؤيدو نتنياهو وخصومه على حدِّ سواء، برفع متظاهر مقصلة ضد نتنياهو في مظاهرة في تل أبيب، في ديسمبر 2017 رغم أن المتظاهر أعلن أنه من «دعاة السلام». وادعى أيضا قائلا: «طوال حياتي لم أكن عنيفا أبدا، ولا أنوي ممارسة العنف في المستقبل». وأوضح أن المقصلة «هي نموذج يذكّر بانتصار المواطنين التاريخي ضد نظام الحكم الفاسد الذي خرق الثقة».

 وتنبأ حيمي شليف في صحيفة هآرتس بنهاية نيكسونية لنتنياهو، مُذكراً بأن ريتشارد نيكسون كان رئيسا مجددا. فقد فتح الأبواب أمام الصين، وأسس الانفراج مع الاتحاد السوفييتي، وأخرج أميركا من فيتنام، وألغى الخدمة العسكرية الإجبارية، واستكمل إلغاء الفصل العنصري في المدارس، وقام بإصلاحات في الرفاه والبيئة، وأنقذ إسرائيل في حرب يوم الغفران. ولكنه أنهى ولايته كشخص مهان وخارق للقانون ومتعثر ومصاب بجنون الارتياب. وبنيامين نتنياهو يمكن أن يسير في أعقابه. رغم أنه ترك بصماته على تاريخ دولة إسرائيل، وغيرها نحو الأفضل. على مدى الـ12 سنة لوجوده في رئاسة الحكومة، ويضاف إليها سنتان كوزير للمالية، واجتث اتفاقات أوسلو، ودفن حل الدولتين وخصخص الاقتصاد، لكنه حافظ على استقراره، وعزز سلطة المستوطنين وقضم سلطة القانون، وصد باراك أوباما وكسب دونالد ترامب وحقق مواجهة محتملة مع إيران.

ورغم اعتقاد بن درور يميني في صحيفة يديعوت أحرونوت أن نتنياهو لا يقود إسرائيل إلى العزلة، هو ليس إردوغان ولا يقود إسرائيل إلى الفاشية. إلا أنه كتب تحت عنوان «كفى يا نتنياهو.. حان وقت الرحيل»: هناك اثنان نتنياهو. يوجد السياسي الذكي، الذي لا حاجة للاتفاق مع خطه السياسي لمعرفة أنه في مجالات عديدة هو جدير بالثناء، ويوجد نتنياهو يطل من كل القضايا الأخيرة، وهذا نتنياهو آخر وحقا ليس ذكيا. ولكن الاعتداد قتل الرجل الذكي».

ويُعتقد أن الاحتلال لن يكون سبب استبدال الحكم، لكن كل حكم بديل سيعرف منحه مكانته المناسبة في التسلسل الهرمي. وأيضاً، الرشوة وحدها لا تسقط نتنياهو، وإن خلق معادلة بين إسقاط نتنياهو والنضال ضد الفساد لا يخدم بالضرورة تغيير الحكم.

وأظهرت استطلاعات حديثة للرأي العام في إسرائيل أن قوة حزب الليكود بزعامة نتنياهو لم تتضرر في أعقاب التوصيات الدراماتيكية التي نشرتها الشرطة في ملفات التحقيق مع نتنياهو، بل العكس.

وقد رفض نتنياهو الدعوات لاستقالته، وقال في مؤتمر للسلطات المحلية في تل أبيب: «أستطيع أن أؤكد لكم: الائتلاف مستقر، ولا أنا ولا أحد غيري لديه خطط لإجراء انتخابات مبكرة. وسنواصل العمل معاً من أجل مصلحة المواطنين الإسرائيليين إلى حين انتهاء ولاية الحكومة المرتقبة عام 2019.

وكان البروفيسور يحيعام فايتس المحاضر في قسم التاريخ في جامعة حيفا، قد كشف السبب الرئيس لتمسك وبقاء نتنياهو في السلطة، بقوله: «هناك بنيامين نتنياهو واحد ووحيد»، وهدف واحد لا يتغير يقف وراء مجمل أدائه كرئيس للحكومة الإسرائيلية وهو البقاء في السلطة. ونتنياهو أول رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل يَعُدّ البقاء في السلطة هدفا أساسيا، وليس لديه أي هدف آخر يتخطى البقاء في كرسيّ الحكم».

 لقد سبق لوسائل الإعلام والجهاز القضائي في إسرائيل أن تعاملا في السنوات السبعين الماضية بتسامح كبير مع رؤساء الحكومات الذين فسدوا وأفسدوا. وبالتالي يبدو سقوط أو تنحي أو تنحية نتنياهو سواء أكان سراباً سياسياً أو أمراً حتمياً لن يمهد الطريق لتسلم ديغول إسرائيلي سدة الحكم في إسرائيل بل نسخة معدلة عن إسحق رابين في أفضل الأحوال.