منذ بداية العام الحالي وقع حدثان عسكريان كانت سورية مسرحا لهما، وكانت الدرون -الطائرة بلا طيار- السلاح المُستخدم فيهما. ففي 8 يناير الماضي وحسب وزارة الدفاع الروسية هبّت عاصفة درونات مزودة بقنابل يدوية الصنع على قاعدتي حميميم الجوية، وطرطوس البحرية الروسيتين شمال غربي سورية. وتم إسقاط 7 درونات وإنزال 6 درونات.

وبعد فترة قصيرة من عاصفة درونات حميميم، عطلت الدفاعات الإسرائيلية مقاتلة درون إيرانية انطلقت من قاعدة «تي فور» في وسط سورية. بعد 90 ثانية على تحليقها في أجواء إسرائيل. وهذه الطائرة تحاكي نموذج الدرون الأميركي RQ طراز رقم 170، الذي وقع في إيران في 2011.

الأمر المثير أنه مضى قرن من الزمن على اختراع طائرة بلا طيار يمكن توجيهها عن بعد أو برمجتها مسبقا لطريق تسلكه. فقد كانت أولى التجارب العملية عليها في إنجلترا سنة 1917. وتم تطوير هذه الطائرة سنة 1924 كأهداف متحركة للمدفعية. ودعيت -حينئذ- بالهدف الجوي وكان استعمالها -كأهداف للمدفعية- محدودا جدا في 1934.

ومؤخرا، بدأت حملة عالمية ترويجية للطائرة بلا طيار التي تكتسح أسواق السلاح العالمية، ويقدر عدد المستخدم منها حاليا بما يقرب من عشرة آلاف طائرة، من بينها ألف طيارة مجهزة بالسلاح الفتاك، وجلها مملوك للولايات المتحدة الأميركية.

والجدير ذكره أنه تم في الشرق الأوسط استخدام الطائرات دون طيار في حرب أكتوبر 1973. ولكن لم تحقق النتيجة المطلوبة فيها لضعف الإمكانات في ذلك الوقت، ووجود حائط الصواريخ المصري. وكانت أول مشاركة فعالة لها في معركة سهل البقاع بين سورية وإسرائيل. واستمر استخدام إسرائيل لهذه الطائرات في العقود اللاحقة في حروبها العدوانية في لبنان وقطاع غزة وغيرها من المناطق التي تهدد أمنها.

وتُعد إسرائيل، وفق تقارير استخبارية وعسكرية، في طليعة من يمتلكون الطائرات بلا طيار، ويعملون على تطويرها وتحديث استخداماتها، أي أنها من الدول المصنعة والمطورة لأهم أنواع الطائرات بلا طيار، وعلى نحو خاص طائرات التجسس. وتمتلك على مستوى التجسس والاستخبارات الجوية، أسرابا مختلفة الأحجام ومتعددة المهام، لمراقبة تحركات الأفراد والتشكيلات في المناطق المختلفة وفي ساحات الحرب، مستخدمة أفضل الطرق والوسائل وتجهيزات المراقبة المتطورة. وعملت على إنتاج عشرات الأنواع من هذه الطائرات، وقامت بتزويدها بأهم الوسائل التقنية البصرية والإلكترونية وأجهزة الرؤية المتعددة الليلية والنهارية، الحرارية، والرادارية والأشعة تحت الحمراء.

وكانت إحدى أكبر تركات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في الشؤون الخارجية هي انتشار الطائرات بلا طيار كأدوات حرب واغتيال وترهيب، ولو أنه لم يكن يأمل أو يريد ذلك. وأوباما ليس أول من استخدم الطائرات بلا طيار لضرب أهداف معادية، ولكن الـ300 ضربة التي أمر بها خلال ولايته الأولى تزيد بست مرات على عدد الضربات التي نفذت في عهد سلفه جورج بوش.

ووصف السيناتور آنغوس كينغ فيه حرب الطائرات بلا طيار، أنها «حضارية وسلاح أكثر إنسانية، لأنه يمكن توجيهها نحو أعداء محددين وأشخاص محددين»، لكن وفي سابقة هي الأولى، أعلن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، أن الغارات التي شنتها الطائرات الأميركية من دون طيّار خلال الحرب السرية الأميركـية ضد الإرهـاب في العالم، تسببت بمقتل نحو 4700 شخص، بينهم مدنيون.

ولم تفد دراسة مستقلة واحدة عن الحروب التي تشنها الطائرات بلا طيار حاليا في أفغانستان وباكستان والقرن الأفريقي بأن هذه الأسلحة تحقق أي هدف إستراتيجي. فنجاحها لا يعبر عنه سوى من خلال عدد جثث من قتلوا، ولو أن عدد الجثث دليل على النصر لاعتبرنا أن الألمان كسبوا الحرب في ستالينغراد، وأن الأميركان كسبوها في فيتنام. ومنذ أن بدأت حرب الطائرات بلا طيار في عام 2008 لم يلاحظ أنها أدت إلى أي تراجع في أداء الطالبان أو القاعدة. وأي تراخ في تجنيد متطوعين جدد.

عموما، لا تُعد الطائرات بلا طيار مستقبل المقاتلات الجوية فحسب، بل يُتوقع أن تبصر النور درون بالغة الصغر حجمها حجم كرة طابة مضرب قادرة على تحديد هدف بشري من طريق صورة، وتدميرها حيثما كانت. وفي المستقبل القريب سيكون في المتناول تحميل مئات لا بل آلاف الدرون في شاحنة أو طائرة وإطلاقها وسط جموع أو جنود في طريقهم إلى الحرب أو اجتماع سياسي.

وحاليا، تلجأ رواندا، على سبيل المثال، إلى طائرات درون لإيصال الأدوية إلى المناطق البعيدة، وتعد كبرى الشركات العدة للتوسل بالدرون في التجارة من بُعد وتوصيل الطرود. وفي هذا الأمر يتم تسخير الذكاء الاصطناعي وبرمجته لصالح خير البشرية وخدمتها، وليس في سبيل القتل والدمار خدمة لأهداف شريرة.