ثمة هوس وضجيج مشفوع بقلق وجودي وأمني من توافر معطيات تفيد أن التوازن الديموجرافي بين الفلسطينيين واليهود في إسرائيل أصبح حقيقة أو يكاد.

ويترتب عليها وضع خطط لزيادة أعداد اليهود في العالم، وجلب ملايين منهم إلى إسرائيل. ولم يتراجع هذا الضجيج تحت تأثر معطيات ديموجرافية نشرتها دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، عشية رأس السنة الميلاديّة 2018، والتي تفيد بأن عدد السكان في دولة إسرائيل وصل إلى 8.8 ملايين نسمة في 31 ديسمبر 2017، يتوزعون على النحو التالي: 6.5‏ ملايين يهودي يشكلون نسبة ‏74.6 %‏ من إجمالي السكان، ‏1.8‏ مليون عربي فلسطيني يشكلون نسبة ‏20.9 %‏ من إجمالي السكان، و400000 آخرين 4.5%‏. أي شهد عام 2017 زيادة في حجم سكان إسرائيل نسبتها 1.9%، وطرأت زيادة نسبتها 82% بسبب التكاثر الطبيعي نحو 180 ألف طفل و18% بسبب الهجرة، حيث قدم إلى إسرائيل عام 2017 نحو 27 ألف قادم جديد، قدموا من: روسيا، وأوكرانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية.

وقد أسهم تقريران يتعلقان بالعامل الديموجرافي في إحداث ضجة كبيرة وتفعيل مخاوف قديمة من وجود قنبلة ديموجرافية موقوتة.

فقد قال التقرير الأول، إن عدد الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية بات متساويا، أي أن عدد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة بلغ 5 ملايين نسمة، يضاف إليهم 300 ألف فلسطيني في القدس المحتلة، و1.53 مليون فلسطيني في إسرائيل، مما يعني أن الحديث يدور حول 6.8 ملايين فلسطيني في فلسطين التاريخية، بينما عدد اليهود المعترف بيهوديتهم هو 6.5 ملايين نسمة، يضاف إليهم قرابة 300 ألف شخص لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديتهم.

وكانت الضجة حوله، لكونه يمس رهانات تاريخية للحركة الصهيونية، ويبدد أوهام اليمين الاستيطاني. ومعروف أن العامل الديموجرافي شكّل قلقا مركزيا في الحركة الصهيونية، منذ تأسيسها في نهايات القرن الـ19، وعلى هذا الأساس اختلقت «الشعب اليهودي»، ووضعت كل مخططات اقتلاع وتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه.

وعرض معطيات هذا التقرير مندوبٌ عن الحكم العسكري في الضفة، أو ما يسمى «الإدارة المدنية»، أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية الذي استند إلى مكتب الإحصاء الفلسطيني. وكانت هذه المعطيات كفيلة بتفجر نقاش صاخب بين نواب اليمين الاستيطاني الذين ادعوا أن التقرير مبالغ فيه، وأن السلطة الفلسطينية تبالغ بنحو نصف مليون فلسطيني.

في المقابل، تبنى نواب اليمين ويمين الوسط، مثل حزب العمل وحزب «يوجد مستقبل»، التقرير، وعدّوه إثباتا على فشل مشروع اليمين الاستيطاني وسياسته التي تقود إلى «الدولة الواحدة»، وهي الكفيلة بتصفية يهودية الدولة.

وحظي هذا التقرير بدعم الخبير الديموجرافي الإسرائيلي سرجيو دي فيرجولا، الذي يعد من أكبر خبراء الديموجرافيا الإسرائيليين.

وفي المقابل، رأى خبراء ديموجرافيا من اليمين المتطرف أن الإحصاءات الفلسطينية مبالغ فيها، ورد عليهم دي فيرجولا قائلا، إنه لا يوجد أساس للادعاء بأن التوقعات الديموجرافية تخطئ دوما. وأكد أن الميزان الديموجرافي يلعب وسيلعب دورا حرجا في تعريف الهوية القومية لدولة إسرائيل. وفي رأيه «مزيد من الأراضي معناه هوية يهودية أقل، ومزيد من الهوية اليهودية معناه أراض أقل».

وصدر التقرير الثاني عن لجنة رسمية كان عيّنها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، رئيس حزب «البيت اليهودي»، بصفته وزيرا ليهود الشتات، قبل عامين، لغرض البحث عن مجموعات سكانية في العالم تشكل قاعدة للتهويد، أو لتقريبها من المشروع الصهيوني وإسرائيل. وأوصت اللجنة حكومتها بالاهتمام بما لا يقل عن 60 مليون شخص في العالم، من ذوي العلاقة بهذا المستوى أو ذاك باليهودية وإسرائيل، وحتى التفكير بهجرة قسم منهم إلى إسرائيل وتهويدهم.

ووضعت اللجنة برنامجا متعدد السنوات يشمل التقرب من هذه المجموعات، وبث الدعاية الصهيونية بينها، والسعي إلى تقريبها للمشروع الصهيوني. ثم وبشكل تدريجي يتم البحث في تهجير بعضهم إلى إسرائيل، بغرض تهويدهم، أما الباقون فيكونون قواعد شعبية مؤيدة لإسرائيل في أوطانهم.

ورأت صحيفة «هآرتس في افتتاحيتها» يوم 28/‏ 3/‏ 2018 «الفزع الديموجرافي»، «أن المعطيات الديموجرافية الأخيرة ليست مفاجئة. فمؤيدو حل الدولتين يحذرون منذ زمن بعيد بأن الطريق الأخلاقي والناجع الوحيد للحفاظ على إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية، هو تقسيم البلد. ولمّا كانت الحكومة الحالية تعمل على ضم المناطق المحتلة في الطريق إلى واقع الأبارتهايد، فإنها تضطر إلى تطوير مخططات مهووسة لجلب سكان يهود زائفين. لكن من الأفضل أن تستوعب أن حل الدولتين فقط يمكنه أن يضمن النجاح المستقبلي للمشروع الصهيوني».

ولم يكتف بوعز هعتسني بالقول في مقاله بصحيفة «إسرائيل اليوم» في 28/‏ 3/‏ 2018 «معطيات السلطة الفلسطينية، والتي بموجبها تساوى عدد اليهود والعرب في إسرائيل، ليست جديرة بموقف جدي، لأن مصداقيتها مشكوك فيها». بل انتقد «المؤسسة الديموجرافية في إسرائيل، وممثلها الرئيس البروفيسور أرنون سوفير، الذي بشر في 1987 بأنه في عام 2000 سيكون العرب غالبية، وفي 2008 «سيستجدي اليهود الحكم الذاتي. ولكن بعد سنتين وصل مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي وسرقوا التوقعات».

وفي 2002 قال سوفير، إنه إذا تواصل الوضع الراهن السياسي والسلوكي، فقد بقيت 15 سنة لخراب الدولة. وانتهى الموعد سنة 2017.

وفي 2007 تنبأ بأنه في 2020 سيكون اليهود في البلاد «أقلية بائسة».

ويُعبّر عن السجالات الجيوديموجرافية بالمعادلتين التاليتين: معادلة «أرض أكثر وعرب أقل» التي تفترض سلفا وجود يهود أكثر، واستمرار تبني سياسات الاحتلال الراهنة من استيطان وترانسفير علني أو مستتر، وخيار «تكامل أرض إسرائيل». ومعادلة «أرض أقل ويهود أكثر» التي تفترض سلفا غياب الفلسطينيين نتيجة سياسات الطرد، وتتبنى خيار «وحدانية الشعب اليهودي» وحل الدولتين.