لم تبهرني -وحدها- نجومية اللاعب المصري الشهير في الملاعب الإنجليزية، لاعب نادي ليفربول محمد صلاح، بل توقفت كما توقف غيري عند أخلاقيات هذا اللاعب الرياضي، الذي يعكس هوية وأخلاقيات دينه وبلده وعروبته، ولم يتنازل عنها قيد أنملة رغم بريق الشهرة، ومتابعة الأضواء، وملاحقة الفلاشات والصحفيين والجماهير له في كل مكان.

لم نر القزع يعلو رأسه، ولم نر شيئا عليه من التقاليع والطقوس الشاذة، فعكس بحق أخلاقيات المسلم كيف يكون، ولذلك حينما يقوم رجل أعمال بإهدائه أرضا في مكة المكرمة، فما ذلك إلا تعبيرٌ عما يكنّه الناس لمحمد صلاح وهذه الهدية تعبير عن مشاعر فياضة، وحينما سجد الطفل الإنجليزي المسيحي على الأرض، وهذا ليس من معتقده ولا ثقافته، بُعيد تسجيله هدفا، مقلدا حركة محمد صلاح الذي تعوّد أن يسجد لله شكرا عند نجاحه في التهديف، فهذا تعبير عن مدى الأثر والقدوة التي يصنعها اللاعب بنجوميته عند معجبيه وجماهيره، وكم هو الفرق كبير جدا بين من يؤثر ومن يتأثر.

بعضهم لم يعجبه أن نشير إلى أن ظاهرة القزع التي مسحت غالب رؤوس اللاعبين عندنا، إلا من رحم الله، لأنه لم يفهم أن الهدف ليس في القزع في حد ذاته، بقدر ما هي إشارة إلى سهولة تخلي الإنسان عن هويته، عن زيه الوطني، عن لغته، عن كل ما يمكنه أن يعتز به داخل هويته وثقافته، ثم يسعى ليقلد الآخرين، هنا المشكلة، حينما تخلع ثوبك لترتدي رداء لا يصلح لك، ولا ينتمي إليك، ولا يقر لك بالقربى، ولديك ثوب أجمل منه حلة وبهاء، ليست المشكلة أن تحتك بثقافات الآخرين في أوروبا أو أميركا أو الغرب عامة، وتأخذ أفضلها بما يتناسب وثقافتك دون تنازل عن هويتك، إنما المشكلة حينما تأخذ أسوأ ما عندهم، بينما انضباطهم للوقت، احترامهم لأنظمة المرور، ترشيدهم للحياة، إذ لا توجد في حياتهم ثقافة الهياط التي عند بعضنا، والتي تعد هواية محببة لديهم، لأنها جزء من «برستيجهم».

فالمسألة أكبر مما توقف عنده تفكير من لم يعجبه الحديث عن القزع، وفهمه السقيم، وتهوينه الظواهر التي تؤثر على سلوكيات الناشئة في الغد وقد تتطور.

ولعلي أتذكر خواطر أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وهو الذي كان قريبا منهم حينما تولى رعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، في الفترة ما بين 1387-1391، وهو يقول «وإذا خلعنا ملابسنا اليوم تقليدا للغرب، فماذا سنخلع غدا إذا قدمت الصين من الشرق»!.

نحن نؤمن بالتغيير، لكن أن يتغير الإنسان نحو الأفضل والأحسن، ليرتقي إلى أحلام الوطن وآماله، وليس التغير بالانحدار إلى الأسفل، والحمد لله لا نعدم في شباب الوطن وبناته الخير، فنحن نراهم على منصات المسابقات الدولية في العلوم والرياضيات والمواهب العلمية في كل دول العالم، يقفون عليها منافسين لأبناء العالم الأول، ومتفوقين عليهم، وكم يبهج النفس منظر الجماهير في ملعب الجوهرة وهي تؤدي الصلاة، فالخير لا يعدم في شبابنا.

وأنا اليوم حينما أكتب عن محمد صلاح، كأيقونة للنجاح ومثلٍ للقدوة، لأقول: يحق لكل عربي أن يفتخر بمحمد صلاح وليس المصريون وحدهم، وفوزه بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي دليلٌ آخر، أو من الدروس التي تقدم لأجيال اليوم، فضلا عما تميز به محمد صلاح من أخلاق وتواضع وانضباطية في الملعب والتدريبات وجدية في المباريات، فهو لم يصل هكذا إلى النجومية عبثا، بل عبر دربا طويلا من المشقة والتعب، فهو ابن «بسيون» التي تبعد عن القاهرة 4 ساعات، ورغم بُعد المسافة ومشقة السفر، قرر الانتقال إلى نادي «المقاولون العرب» لتكون بداية الاحتراف خارج مدينته، ثم لتبدأ بعدها مسيرة أخرى من الاحتراف بأندية أوروبا، فبدأها بنادي «بازل السويسري»، ثم انضم بعد ذلك إلى «تشيلسي»، ليذهب إلى إيطاليا ويلعب لنادي «روما»، لتكون المحطة الأخيرة التي صنعت من نجوميته الشهرة التي نالها عن استحقاق، حينما انتقل إلى «ليفبربول» الإنجليزي ناديه الحالي.

القصة هنا ليست سرد سيرة هذا النجم العربي المصري، بقدر ما هي إطلالة على سيرة رائعة يجدر بنا أن تُقدَّم في إطارها الصحيح التربوي القيمي الأخلاقي لأجيال اليوم، فإذا كان هناك من أساء إلى الإسلام والمسلمين، وقدم عنه وعنهم صورة سيئة، بانتمائه إلى الإرهاب والإرهابيين، ظنا أنه يخدم الدين، أو ينتصر لقضايا المسلمين عن طريق قتل الأبرياء في شوارع أوروبا وميادينها، فهو يقدم أنموذجا سيئا لا تعكس صورة الدين الإسلامي السمح المعتدل، بل أضّر بالدين وألحق الضرر بالمسلمين، مما نتج عن ذلك خلق ما يسمى في الغرب بـ«الإسلاموفوبيا»، وإذا كان هناك من ذهب إلى الغرب، وبدلا من أن يكون سفيرا لدينه وبلاده، فيحمل هوية بلاده، ونقاء دينه وصفاء وأخلاقيات شعبه ومجتمعه، ومبادئ تمقت العنف، كان أنموذجا سيئا، فلا يجب أن نفقد الأمل في أن هناك من يمثل المسلمين والإسلام وأبنائه خير تمثيل عبر موقعه، وهذا ما نريد أن نبيّنه للعالم ونحن قادمون إلى روسيا بثقافتنا لا ثقافة غيرنا، وما محمد صلاح إلا أنموذج نتحدث عنه اليوم، أعاد لنا أمل تصحيح الصورة المشوهة إلى حد كبير عن العرب والمسلمين هناك في الغرب الذي لا تنتظر وسائل إعلامه طويلا حينما تجد صورة مشوهة، لتعمل سريعا على لصقها بالإسلام والمسلمين، واستثمارها في تشويه الصورة.